الذين إذا وعظوا بها واستمعوا لها بعد تلاوتها عليهم ، سقطوا بأعضائهم وجباههم ساجدين لله ، تذللا وخضوعا ، وإقرارا بالعبودية ، ونزّهوه في سجودهم عما لا يليق به من أوضار الشرك كاتخاذ الصاحبة والولد والشريك ، حامدين ربهم على آلائه ونعمه ، أي جامعين بين التسبيح والتحميد بأن يقولوا : سبحان الله وبحمده ، سبحان ربي الأعلى ، وهم لأن قلوبهم عامرة بالإيمان لا يستكبرون عن طاعة ربهم ، واتباع الآيات والانقياد لها ، كما يفعل الكفرة الجهلة الفجرة الذين يتولون مستكبرين ، فلهم عذاب أليم ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر ٤٠ / ٦٠].
هذه أوصاف المؤمنين : العبادة ، والتقديس مع الحمد ، والطاعة والانقياد ، ثم ذكر الله تعالى لهم أوصافا أخرى : هي التهجد أو قيام الليل ، والدعاء الخالص لله ، والإنفاق في وجوه الخير : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ، وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي تترفع جوانبهم عن أماكن النوم والراحة ، يبادرون إلى قيام الليل تهنأ نفوسهم بمناجاة ربهم ، وتقرأ عينهم وترتاح ضمائرهم بالعبادة ، ويدعون ربهم دعاء خالصا موقنين بالإجابة ، خوفا من العقاب ، وطمعا بالرحمة وجزيل الثواب ، وينفقون بعض أموالهم في سبل الخير والبر ومرضاة الله ، فيجمعون بين فعل القربات الشخصية والقربات الاجتماعية.
روى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «عجب ربنا من رجلين : رجل ثار من وطائه ولحافه من بين حبّه وأهله إلى صلاته ، رغبة فيما عندي ، وشفقة مما عندي ؛ ورجل غزا في سبيل الله تعالى ، فانهزموا ، فعلم ما عليه من الفرار ، وما له في الرجوع ، فرجع حتى أهريق دمه ، رغبة فيما عندي ، وشفقة مما عندي ، فيقول الله عزوجل للملائكة : انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ، ورهبة مما عندي حتى أهريق دمه».