عزيمة المؤمنين على خوض المعركة ، والدفاع عن مدينتهم عاصمة الإسلام.
٢ ـ إن السلطان يشاور أصحابه وخاصته في أمر القتال ؛ لأنه لما سمع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم باجتماع الأحزاب وخروجهم إلى المدينة ، شاور أصحابه ، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق ، فرضي رأيه ، وقال المهاجرون يومئذ : سلمان منا ، وقال الأنصار : سلمان منا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سلمان منا آل البيت». وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو يومئذ حرّ ، فقال : يا رسول الله ، إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا ؛ فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين.
وفي هذا الخبر أيضا وجوب التحصن من العدوّ بما أمكن من الأسباب ، وفيه أن حفر الخندق يكون مقسوما على الناس ؛ فمن فرغ منهم عاون من لم يفرغ ، فالمسلمون يد على من سواهم. أخرج البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال : لما كان يوم الأحزاب ، وخندق رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأيته ينقل من تراب الخندق ، حتى وارى عنّي الغبار جلد بطنه ، وكان كثير الشعر ، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ويقول :
اللهمّ لو لا أنت ما اهتدينا |
|
ولا تصدقنا ولا صلّينا |
فأنزلن سكينة علينا |
|
وثبّت الأقدام إن لاقينا |
٣ ـ دلت أخبار السيرة السالفة الذكر ورواية النسائي عن البراء وغيره أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ضرب صخرة أثناء حفر الخندق ضربات ثلاثا ، أضاءت له الضربة الأولى مدائن كسرى وما حولها ، وأنارت له الثانية مدائن قيصر وما حولها ، وأبدت له الثالثة مدائن الحبشة وما حولها ، ورأى سلمان بعينه ذلك ، وتلك معجزة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بشّر بها بفتح هذه البلاد ، وقال عند ذلك فيما رواه مالك : «دعوا الحبشة ما ودعوكم ، واتركوا الترك ما تركوكم».