وفات الطلب وعاد متعمقاً متلطفاً لا يدركه الوهم فكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحدّ أو يحدّ بوصف واللطافة منّا الصِّغر والقلّة فقد جمعنَا الاسم واختلف المعنى قال :
وأمّا الْخَبِيرُ فالذي لا يغرب عنه شيء ولا يفوته شيء ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة والاعتبار علماً ولولاهما ما علم لأنّ من كان كذلك كان جاهلاً والله لم يزل خبيراً بما يخلق والخبير من النّاس المستخبر عن جهل المتعلم فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
(١٠٤) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ (١) مِنْ رَبِّكُمْ البصيرة للقلب كالبصر للبدن فَمَنْ أَبْصَرَ الحق وآمن به فَلِنَفْسِهِ أبصر لأن نفعه لها وَمَنْ عَمِيَ عن الحق وضلّ فَعَلَيْها وباله وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وانّما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها وهذا كلام وردّ على لسان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.
(١٠٥) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ مثل ذلك التصريف نصرّف وهو إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة من الصرف وهو نقل الشيء من حال إلى حال وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ أي ليقولوا درست صرفنا واللام للعاقبة والدرس القراءة والتعلم وقرئ دارست أي دارست أهل الكتاب وذاكرتهم ودَرَسْتَ من الدروس أي قدمت هذه الآيات وعفت كقولهم أساطير الأوّلين.
القمّيّ كانت قريش تقول لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إنّ الذي تخبرنا من الأخبار تتعلمه من علماءِ اليهود وتدرسه وَلِنُبَيِّنَهُ اللّام هنا على أصله لأنّ التّبيين مقصود التصريف والضمير للآيات باعتبار المعنى لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فإنهم المنتفعون به.
__________________
(١) قوله بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أي حجج بيّنة واحدها بصيرة وهي الدّلالة الّتي يستبصرها الشيء على ما هو به وهو نور القلب.