ابن عمران لا يعلم ان الله لا يجوز عليه الرؤية حتّى يسأله هذا السؤال فقال عليه السلام : إن كليم الله علم أنّ الله منزه عن أن يرى بالأبصار ولكنه لما كلّمه الله وقربه نجيّاً (١) رجع إلى قومه فأخبرهم أنّ الله كلّمه وقرّبه وناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعته وكان القوم سبعمائة ألف فاختار منهم سبعين ألفاً ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ثمّ اختار منهم سبعمائة ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح (٢) الجبل وصعد موسى الى الطور وسأل الله أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام لأنّ الله أحدثه في الشجرة ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن بأنّ هذا الذي سمعناه كلام الله حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً.
فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عليهم صاعقة يعني ناراً وقع من السماء فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا فقال موسى يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا إنّك ذهبت بهم فقتلتهم لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك فأحياهم وبعثهم معه فقالوا إنّك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك فتخبرنا كيف هو ونعرفه حقّ معرفته.
فقال موسى يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له وانّما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه فقالوا لن نؤمن لك حتّى تسأله فقال موسى يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلم أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ وهو يهوي فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآياته من آياته جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنّك لا ترى.
وفي الإِكمال عن القائم عليه السلام : في كلام فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفيه
__________________
(١) قوله تعالى قَرَّبْناهُ نَجِيًّا أي مناجياً وهو مصدر كالصّهيل والنّعيق يقع على الواحد والجماعة.
(٢) سفح الجبل أسفله حيث يسفح فيه الماء.