عباس بن مرداس السّلمي ومن مزينة (١) ألف رجل قال فمضوا حتّى كان من القوم مسيرة بعض ليلة قال وقال مالك بن عوف لقومه ليصيّر كل رجل منكم اهله أو ماله خلف ظهره واكسروا جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشّجر فإذا كان في غَلَس الصبح فاحملوا حملة رجل واهدّوا (٢) القوم فانّ محمّداً لم يلق أحداً يحسن الحرب قال فلمّا صلّى رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد وكان بنو سليم على مقدّمته فخرج عليهم كتائب هوازن من كلّ ناحية فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلّا انهزم.
وبقي أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل ومرّ المنهزمون برسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم لا يلوون (٣) على شيءٍ وكان العباس آخذاً بلجام بغلة رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم عن يمينه وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب عن يساره فأقبل رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ينادي يا معشر الأنصار إلى أين أنا رسول الله فلم يلو أحد عليه وكانت نسيبة بنت كعب المازنيّة تحثو أي ترمي في وجوه المنهزمين التّراب وتقول إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله.
ومرّ بها عمر فقالت ويلك ما هذا الذي صنعت فقال لها هذا أمر الله فلمّا رأى رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم الهزيمة ركض (٤) نحو عليّ بغلته وقد شهر سيفه فقال يا عبّاس وكان صيّتاً رفيع الصوت اصعد هذا الظرب (٥) وناد يا أصحاب البقرة ويا أصحاب الشّجرة إلى أين تفرّون هذا رسول الله.
ثمّ رفع رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم يده فقال اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان فنزل عليه جبرئيل فقال يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى
__________________
(١) مزينة قبيل من مضر م.
(٢) الفلس بالتحريك الظلمة آخر الليل.
(٣) أي لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره.
(٤) ركضت الدّابة إذا ضربتها برجلك استحثّها.
(٥) الظرب ككتف ما نتأ من الحجارة وحد طرفه أو الجبل المنبسط والصّغير ح ظراب.