أصحابه ليموت بعضهم في هذا الحرّ ورياح البوادي ومياه المواضع المؤذية الفاسدة ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر وقتيل وجريح واستأذنه المنافقون بعلل ذكروها بعضهم يعتلّ بالحرّ وبعضهم بمرض بجسده وبعضهم بمرض في عياله وكان يأذن لهم فلمّا أصبح وضحّ عزم رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم على الرّحلة إلى تبوك عمد هؤلاء المنافقون فبنوا خارج المدينة مسجداً وهو مسجد الضّرار يريدون الاجتماع فيه ويوهمون أنّه للصّلوة وإنّما كان ليجتمعوا فيه لعلّة الصّلوة فيتّم تدبيرهم ويقع هناك ما يسهل به لهم ما يريدون ثمّ جاء جماعة منهم إلى رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قالوا يا رسول الله إنّ بيوتنا قاصية عن مسجد فإنّا نكره الصّلوة في غير جماعة ويصعب علينَا الحضور وقد بنينا مسجداً فإن رأيت أن تقصده وتصليّ فيه لنتيمّن ونتبرّك بالصّلوة في موضع مصلّاك.
فلم يعرّفهم رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ما عرّفه الله عن أمرهم ونفاقهم وقال ائتوني بحماري فأُتي باليعفور فركبه يريد نحو مسجدهم فكلّما بعثه هو وأصحابه لم ينبعث ولم يمش فإذا صرف رأسه عنه إلى غيره سار أحسن سيره وأطيبه قالوا لعلّ هذا الحمار قد رأى من الطريق شيئاً كرهه ولذلك لا ينبعث نحوه.
فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ائتوني بفرس فركبه فلّما بعثه نحو مسجدهم لم ينبعث وكلّما حرّكوه نحوه لم يتحرّك حتّى إذا فتلوا رأسه إلى غيره سار أحسَنَ سير فقالوا ولعلّ هذا الفرَس قد كره شيئاً في هذا الطريق فقال تعالوا نمش إليه فلّما تعاطى هو ومن معه المشي نحو المسجد جفّوا في مواضعهم ولم يقدروا على الحركة وإذا همّوا بغيره من المواضع خفّت حركاتهم ونقيت أبدانهم وبسطت قلوبهم.
فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم : هذا أمر قد كرهه الله وليس يريده الآن وأنا على جناح سفر فامهلوني حتّى أرجع إن شاء الله ثمّ انظر في هذا انظراً يرضاه الله وجدّ في العزم على الخروج إلى تبوك وعزم المنافقون على اصطلام مخلّفيهم إذا خرجوا فأوحى الله تعالى إليه يا محمّد إنّ العليّ الأعلى يقرؤك السلام ويقول إمّا أن تخرج أنت