والحد المشترك بينهما دائرة. وأما الحد بين الغامر والعامر من جهة الحر عندهم ، فهو ما بين البلاد التي تكون خارجة عن مجاز (١) الشمس إلى الأرض المحترقة التي تحاذيها الشمس بمدارها ، فتسخنها تسخينا لا يحتمل عندهم الحيوان المقام فيه. وهو مكشف بين العمارتين ، فتكون الأرض المحترقة محدودة بدائرتين شمالية وجنوبية تليهما من جهة القطبين (٢) عمارتان ، فتكون ثلاثة قطوع دفيّة يحيط (٣) بكل واحد منها من الجانبين سطحا دائرتين ، ويصل بينهما سطح دفى ، وكذلك تكون هيئة العمارتين. لكن السطحين المحيطين بكل واحد (٤) منهما لا يكونان متساويين ، (٥) بل الذي يلى القطب يكون أصغر. وأما سطحا دفّ الأرض المحترقة عندهم فمتساويان.
فهذا هو قول قدماء المشائين ، وليس التحقيق والوجود على ما حكوه. فإن هاهنا بلادا عروضها أقل من الميل ، والشمس تسامت الرءوس فيها مرارا ، وهى عامرة. وقد وجدت بلاد تقرب من خط الاستواء ، بل قد (٦) دوّن الثقات أحوال بلاد موضوعة فى خط الاستواء ومنها سرنديب. (٧) والقياس يجوّز ، بل يوجب أن تكون بقعة خط الاستواء أصلح المواضع للسكنى وأولاها بالاعتدال ، ولكن ذلك لا يفهم إلا بعد تقديم مقدمات ، فإنه يجب ان تتحقق أسباب شدة تسخن الجو وأن تعرف أيضا كيفية ملاءمة ذلك للسكان وغير ملاءمته.
فنقول : بالحرى أن يكون السبب الأول فى سخونة الجو الذي يلينا هو الشمس وليس ذلك لأن الشمس حارة ، ولا لأن الشمس تقهر شيئا من النار وتنزله ، ولا لأن الشعاع شىء نارى ينفصل منه. فقد علمت أن للفلك طبيعة ، بحيالها غير هذه (٨) الأربع ، وعلمت من خلال ما مضى لك أنه لا يجوز أن يكون الشعاع الشمسى يقهر النار إلى الهبوط ، وستعلم أيضا أن الشعاع ليس جسما أو قوة تأتى منتقلة من الشمس إلى الأرض مارة فى الوسط ؛ بل هو شىء يحدث فى المقابل القابل للضوء دفعة إذا توسط بينهما جسم لا يمنع (٩) فعل ذلك فى هذا (١٠) بالموازاة ؛ وذلك الجسم (١١) هو الشاف. لكن الجسم القابل للحر ، إذا أضاء سخن ،
__________________
(١) مجاز : ممار طا
(٢) القطبين : القطعتين م
(٣) يحيط : محيط ط
(٤) واحد : واحدة ط ، م
(٥) متساويين : مساويين ب
(٦) قد : ساقطة من م
(٧) سرنديب : سريب سا ؛ سرانديب ط
(٨) هذه : هذا ط.
(٩) جسم لا يمنع : ساقطة من م
(١٠) فى هذا : وهذا م
(١١) الجسم (الأولى) : بالجسم م.