لا توبة له ، وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد ، وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة. وناهيك بمحو الشرك دليلا. وفي الحديث «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم (١) وفيه «لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضى بالمغرب لأشرك في دمه (٢)» وفيه «إن هذا الإنسان بنيان الله. ملعون من هدم بنيانه» وفيه «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب (٣) بين عينيه آيس من رحمة الله (٤)». والعجب من قوم يقرؤن (٥) هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة ، وقول ابن عباس بمنع التوبة. ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل إليهم مناهم ، أن يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة ، أفلا يتدبرون القرآن ، أم على قلوب أقفالها؟ ثم ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة في قتل الخطأ ، لما عسى يقع من نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ
__________________
ـ أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة. فما بال هذا اليوم؟ قال : إنى أحسبه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا. قال : فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك».
(١) أخرجه الترمذي والنسائي من رواية شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر. ومثله بلفظ «من قتل رجلا مسلما» وروياه موقوفا. وهو أصح. ورواه البزار وقال : لا نعلم أسنده عن شعبة إلا ابن أبى عدى. ورواه ابن أبى شيبة وأبو يعلى من رواية الثوري عن يعلى بن عطاء به مرفوعا وأخرجه النسائي من وجه آخر مرفوعا. وفي الباب عن بريدة ، أخرجه النسائي وابن عدى. والبيهقي في الشعب ، بلفظ ، ولقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا» وفيه بشر بن المهاجر وفيه ضعف وعن البراء بن عازب رضى الله عنهما أخرجه ابن ماجة ، والبيهقي بلفظ «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن ـ وزاد : والمؤمن أكرم عند الله من الملائكة الذين عنده» وفي إسناده أبو المهزم يزيد بن سفيان.
(٢) لم أجده.
(٣) قوله «مكتوب» لعله مكتوبا. (ع)
(٤) أخرجه ابن ماجة وأبو يعلى والعقيلي وابن عدى من حديث أبى هريرة مثله. وإسناده ضعيف. ورواه ابن حبان في الضعفاء من رواية عمرو بن محمد الأعلم عن نجم بن سالم الأفطس عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر به وقال. إنه حديث موضوع ، لا أصل له من حديث الثقات ، وعمرو ، والأفطس لا يجوز الاحتجاج بهما بحال. وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية ، وترجمه خلف بن حويشب من روايته عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن المسيب به وقال غريب تفرد به حكيم بن نافع عن خلف. وحكيم ضعيف إلا أنه يرد على كلام ابن حبان وفي الباب أيضا عن ابن عمر. أخرجه البيهقي في الشعب ، في السادس والثلاثين. وعن ابن عباس ، أخرجه الطبراني من رواية عبد الله ابن حراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عنه.
(٥) قوله «والعجب من قوم يقرءون» فيه انتصار للمعتزلة وتشنيع على أهل السنة حيث ذهبوا إلى أنه يجوز غفران الكبائر بالتوبة أو بالشفاعة أو بمجرد فضل الله ، تمسكا بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) كما حقق في علم التوحيد وفي الصحاح : أشعب اسم رجل كان طماعا. وفي المثل «أطمع من أشعب» اه فالأشعبية : الخصلة التي تنسب إلى أشعب ، وهي الطمع الشديد. (ع)