فيه حسم للأطماع وأى حسم ، ولكن لا حياة لمن تنادى. فإن قلت : هل فيها دليل على خلود من لم يتب (١) من أهل الكبائر؟ قلت : ما أبين الدليل وهو تناول قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ) أىَّ قاتل كان ، من مسلم أو كافر ، تائب أو غير تائب ، إلا أن التائب أخرجه الدليل. فمن ادعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(٩٤)
(فَتَبَيَّنُوا) وقرئ : فتثبتوا ، وهما من التفعل بمعنى الاستفعال ـ أى اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه من غير روية (٢). وقرئ : السلم. والسلام وهما الاستسلام. وقيل : الإسلام. وقيل : التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام (لَسْتَ مُؤْمِناً) وقرئ (مؤمنا) بفتح الميم من آمنه ، أى لا نؤمنك ، وأصله أن مرادس بن نهيك (٣) رجلا من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره ، فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان عليها غالب بن فضالة الليثي ، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول (٤) من الجبل وصعد ، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، السلام عليكم ، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه ، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجداً شديدا وقال : قتلتموه إرادة ما معه ، ثم قرأ الآية على أسامة ، فقال : يا رسول الله استغفر لي. قال فكيف بلا إلا إلا الله ، قال أسامة فما زال يعيدها حتى وددت أن لم أكن أسلمت إلا يومئذ ، ثم استغفر لي وقال : أعتق (٥) رقبة (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تطلبون الغنيمة
__________________
(١) قوله «دليل على خلود من لم يتب» هو مذهب المعتزلة. وذهب أهل السنة إلى خروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، كما في حديث الشفاعة وقد تقرر في محله. (ع)
(٢) قوله «ولا تتهوكوا فيه» أى تتحيروا أو تخبطوا بلا مبالاة. أفاده الصحاح. (ع)
(٣) قوله «مرداس» في الصحاح : ردست القوم ورادستهم : إذا رميتهم بحجر. والمرداس : حجر يرمى به في البئر ليعلم أن فيها ماء أولا. ومنه سمى الرجل. (ع)
(٤) قوله «إلى عاقول» في الصحاح : العاقول من النهر والوادي والرمل : الموج منه. (ع)
(٥) أخرجه الثعلبي من رواية الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس. وأخرجه الطبري من رواية أسباط عن السدى بتغيير يسير.