التي هي حطام سريع النفاد ، فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوّذ به من التعرض له لتأخذوا ماله (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة ، فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم ، وإن صرتم أعلاما فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكافة ، ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية ، فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله وقد حرّمهما الله وقوله (فَتَبَيَّنُوا) تكرير للأمر بالتبين ليؤكد عليهم (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك.
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٩٦)
(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) قرئ بالحركات الثلاث ، فالرفع صفة للقاعدون ، والنصب استثناء منهم أو حال عنهم ، والجرّ صفة للمؤمنين. والضرر : المرض ، أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها. وعن زيد بن ثابت : كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة ، فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها ، ثم سرى عنه فقال : اكتب فكتبت في كتف (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ) فقال ابن أمّ مكتوم وكان أعمى : يا رسول الله ، وكيف بمر لا يستطيع الجهاد من المؤمنين. فغشيته السكينة كذلك ، ثم قال : اقرأ يا زيد ، فقرأت (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فقال غير أولى الضرر. قال زيد : أنزلها الله وحدها ، فألحقتها. والذي نفسي بيده لكأنى أنظر إلى ملحقها عند صدع في الكتف (١). وعن ابن عباس : لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها. وعن مقاتل : إلى تبوك. فإن قلت : معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان ، فما فائدة نفى الاستواء؟ قلت : معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد ، ليأنف القاعد ويترقع بنفسه عن انحطاط
__________________
(١) أخرجه البخاري من رواية ابن الحكم عن يزيد بن ثابت نحوه ، وأبو داود وأحمد والحاكم من رواية خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت باللفظ المذكور.