منزلته ، فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته ، ونحوه (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به (١) إلى التعلم ، ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) جملة موضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل : ما لهم لا يستوون ، فأجيب بذلك. والمعنى على القاعدين غير أولى الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف (وَكُلًّا) وكل فريق من القاعدين والمجاهدين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أى المثوبة الحسنى وهي الجنة وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم (٢) وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم (٣) وكانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد ، وبهم ما يمنعهم من المسير من ضرر أو غيره. فإن قلت : قد ذكر الله تعالى مفضلين درجة ومفضلين درجات ، فمن هم؟ قلت : أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم ، لأن الغزو فرض كفاية. فإن قلت : لم نصب (دَرَجَةً) و (أَجْراً) و (دَرَجاتٍ)؟ قلت : نصب قوله : (دَرَجَةً) لوقوعها موقع المرة من التفضيل ، كأنه قيل فضلهم تفضيلة واحدة. ونظيره قولك : ضربه سوطا ، بمعنى ضربه ضربة. وأما (أَجْراً) فقد انتصب بفضل ، لأنه في معنى أجرهم أجرا ودرجات ، ومغفرة ، ورحمة : بدل من أجر. أو يجوز أن ينتصب (دَرَجاتٍ) نصب درجة ، كما تقول : ضربه أسواطا بمعنى ضربات ، كأنه قيل : وفضله تفضيلات. ونصب (أَجْراً عَظِيماً) على أنه حال عن النكرة التي هي درجات مقدمة عليها ، وانتصب مغفرة ورحمة بإضمار فعلهما بمعنى : وغفر لهم ورحمهم ، مغفرة ورحمة.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً)(٩٩)
__________________
(١) قوله «ليهاب» الظاهر أنه من الهوب وهو وهج النار ، أى توقدها ، كما في الصحاح. (ع)
(٢) أخرجه البخاري وأبو داود من رواية حميد عن أنس. ونحوه عند مسلم من حديث جابر رضى الله عنه.
(٣) قوله «ونصحت جيوبهم» في الصحاح : تقول : إنه لحسن الجيبة ـ بالكسر ـ أى الجواب. ورجل ناصح الجيب : أى أمين. (ع)