أصحاب كبائر ، لأنه لا فرق بين الفريقين في أنه لا يغفر لهما (١) إلا بالتوبة (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) لا يلطف بهم فيسلكون الطريق الموصل إلى جهنم. أو لا يهديهم يوم القيامة طريقا إلا طريقها (يَسِيراً) أى لا صارف له عنه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٧١)
(فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) وكذلك (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) انتصابه بمضمر ، وذلك أنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث ، علم أنه يحملهم على أمر فقال : (خَيْراً لَكُمْ) أى اقصدوا ، أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث. وهو الإيمان والتوحيد (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) غلت اليهود في حط المسيح عن منزلته ، حيث جعلته مولودا لغير رشدة (٢). وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وهو تنزيهه عن الشريك والولد. وقرأ جعفر بن محمد (إِنَّمَا الْمَسِيحُ) بوزن السكيت. وقيل لعيسى (كلمة الله) (وكلمة منه) لأنه وجد بكلمته وأمره لا غير ، من غير واسطة أب ولا نطفة. وقيل له : روح الله ، وروح منه ، لذلك ، لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذى روح ، كالنطفة المنفصلة من الأب الحىّ وإنما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته خالصة. ومعنى (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) أوصلها إليها وحصلها فيها (ثَلاثَةٌ) خبر مبتدإ محذوف ، فإن صحت الحكاية عنهم أنهم يقولون : هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم ، أقنوم الأب ، وأقنوم الابن ، وأقنوم روح القدس. وأنهم يريدون بأقنوم الأب : الذات ، وبأقنوم الابن : العلم ، وبأقنوم روح القدس : الحياة ، فتقديره الله ثلاثة ؛ وإلا فتقديره : الآلهة ثلاثة. والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح
__________________
(١) قوله «في أنه لا يغفر لهما إلا بالتوبة» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة فقد تغفر الكبيرة بالشفاعة ، أو بمجرد الفضل. (ع)
(٢) قوله «مولودا لغير رشدة» أى لزنية ، وفي الصحاح : تقول «هو لرشدة» خلاف قولك «لزنية». (ع)