ومريم ثلاثة آلهة ، وأنّ المسيح ولد الله من مريم. ألا ترى إلى قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) ، (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون : في المسيح لاهوتية وناسوتية من جهة الأب والأم. ويدل عليه قوله : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) فأثبت أنه ولد لمريم اتصل بها اتصال الأولاد بأمّهاتها ، وأن اتصاله بالله تعالى من حيث أنه رسوله ، وأنه موجود بأمره وابتداعه جسدا حيا من غير أب ، فنفى أن يتصل به اتصال الأبناء بالآباء. وقوله : (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) وحكاية الله أوثق من حكاية غيره. ومعنى (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد. وقرأ الحسن : إن يكون ، بكسر الهمزة ورفع النون : أى سبحانه ما يكون له ولد. على أنّ الكلام جملتان (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) بيان لتنزهه عما نسب إليه ، يعنى أنّ كل ما فيهما خلقه وملكه ، فكيف يكون بعض ملكه جزأ منه ، على أن الجزء إنما يصح في الأجسام وهو متعال عن صفات الأجسام والأعراض (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) يكل إليه الخلق كلهم أمورهم ، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه.
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)(١٧٢)
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة (١) من نكفت الدمع. إذا
__________________
(١) قال محمود معناه لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة ... الخ قال أحمد : وقد كثر الاختلاف في تفضيل الأنبياء على الملائكة ، فذهب جمهور الأشعرية إلى تفضيل الأنبياء. وذهب القاضي أبو بكر منا والحليمي وجماعة المعتزلة إلى تفضيل الملائكة ، واتخذ المعتزلة هذه الآية عمدتهم في تفضيل الملائكة من حيث الوجه الذي استدل به الزمخشري. ونحن بعون الله نشبع القول في المسألة من حيث الآية فنقول : أورد الأشعرية على الاستدلال بها أسئلة : أحدها : أن سيدنا محمداً عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل من عيسى عليه الصلاة والسلام ، فلا يلزم من كون الملائكة أفضل من المسيح أن تكون أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام ، وهذا السؤال إنما يتوجه إذ لم يدع مورده أن كل واحد من آحاد الأنبياء أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة ، وبين طائفتنا في هذا الطرف خلاف. السؤال الثاني : أن قوله : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) صيغة جمع تتناول مجموع الملائكة ، فهذا يقتضى كون مجموع الملائكة أفضل من المسيح ، ولا يلزم أن يكون كل واحد منهم أفضل من المسيح. وفي هذا السؤال أيضاً نظر ؛ لأن مورده إذا بنى على أن المسيح أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة فقد يقال : يلزم القول بأنه أفضل من الكل ، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان أفضل من كل واحد من آحاد الأنبياء كان أفضل من كلهم ، ولم يفرق بين التفضيل على التفصيل والتفضيل على الجملة أحد ممن صنف في هذا المعنى. وقد كان بعض المعاصرين يفصل بين التفضيلين وادعى أنه لا يلزم منه على التفصيل تفضيل على الجملة ، ولم يثبت عنه هذا القول. ولو قاله أحد فهو مردود بوجه لطيف ، وهو أن التفضيل المراد جل أماراته رفع درجة الأفضل في الجنة. والأحاديث متوافرة بذلك. وحينئذ لا يخلو ، إما أن ترفع درجة واحد من المفضولين على من اتفق على أنه أفضل من كل واحد منهم ، أو لا ترفع درجة أحد منهم عليه. لا سبيل إلى الأول ، لأنه يلزم منه رفع المفضول على الأفضل ، فتعين الثاني – وهو ارتفاع ـ