مُلُوكاً) لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه ، وبعد الجبابرة ملكهم ؛ ولأنّ الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء. وقيل : كانوا مملوكين في أيدى القبط فأنقذهم الله ، فسمى إنقاذهم ملكا. وقيل : الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار. وقيل : من له بيت وخدم. وقيل : من له مال لا يحتاج معه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق (ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) من فلق البحر ، وإغراق العدوّ ، وتظليل الغمام ، وإنزال المنّ والسلوى ، وغير ذلك من الأمور العظام ، وقيل : أراد عالمى زمانهم (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) يعنى أرض بيت المقدس. وقيل : الطور وما حوله. وقيل : الشام. وقيل : فلسطين ودمشق وبعض الأردن. وقيل : سماها الله لإبراهيم ميراثا لولده حين رفع على الجبل ، فقيل له. انظر ، فلك ما أدرك بصرك ، وكان بيت المقدس قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) قسمها لكم وسماها ، أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) ولا تنكصوا على أعقابكم مدبرين من خوف الجبابرة جبناً وهلعاً ، وقيل : لما حدثهم النقباء بحال الجبابرة رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : ليتنا متنا بمصر. وقالوا : تعالوا نجعل علينا رأساً ينصرف بنا إلى مصر. ويجوز أن يراد : لا ترتدوا على أدباركم في دينكم بمخالفتكم أمر ربكم وعصيانكم نبيكم : فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا والآخرة. الجبار «فعال» من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد (قالَ رَجُلانِ) هما كالب ويوشع (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) من الذين يخافون الله ويخشونه ، كأنه قيل : رجلان من المتقين. ويجوز أن تكون الواو لبنى إسرائيل والراجع إلى الموصول محذوف تقديره : من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون ، وهما رجلان منهم (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بالإيمان فآمنا ، قالا لهم : إن العمالقة أجسام لا قلوب فيها ، فلا تخافوهم وازحفوا إليهم فإنكم غالبوهم ، يشجعانهم على قتالهم. : وقراءة من قرأ : يخافون ، بالضم شاهدة له : وكذلك أنعم الله عليهما ، كأنه قيل : من الخوفين. وقيل : هو من الإخافة ، ومعناه من الذين يخوفون من الله بالتذكرة والموعظة. أو يخوّفهم وعيد الله بالعقاب. فإن قلت : ما محل أنعم الله عليهما؟ قلت : إن انتظم مع قوله «من الذين يخافون» في حكم الوصف لرجلان فمرفوع.
__________________
لملوكهم وهم منهم ، إذ إسرائيل لأب الأقرب يجمعهم ، فلما كانت ملوكهم منهم وهم أقرباؤهم وأشياعهم وملتبسون بهم ، جاز الامتنان عليهم بهذه الصنيعة ، والمعنى مفهوم. وهذا بعينه هو التقرير السالف آنفا في قول اليهود والنصارى (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) وما بالعهد من قدم. فان قلت : فلم لم يقل إذ جعلكم أنبياء لأن الأنبياء منهم كما قلت في الملوك؟ قلت : النبوة مزية غير الملك. وآحاد الناس يشارك الملك في كثير مما به صار الملك ملكا ، ولا كذلك النبوة فان درجتها أرفع من أن يشرك من لم تثبت له مع الثابتة نبوته في مزيتها وخصوصيتها ونعتها ، فهذا هو سر تمييز الأنبياء وتعميم الملوك ، والله أعلم.