قوم مسيلمة (١) تنبأ وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. أمّا بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك. فأجاب عليه الصلاة والسلام : «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» فحاربه أبو بكر رضى الله عنه بجنود المسلمين ، وقتل على يدي وحشى قاتل حمزة. وكان يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية ، وشرّ الناس في الإسلام ، أراد في جاهليتى وإسلامى. وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالداً (٢) فانهزم بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه. وسبع في عهد أبى بكر رضى الله عنه : فزارة قوم عيينة بن حصن ، وغطفان قوم قرّة بن سلمة القشيري ، وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل ، وبنو يربوع قوم
__________________
ـ لفيروز وهو أحدثهم سناً : دونك الرجل. قال فيروز : كنت قد أنسيت سيفي من الدهش. فوقعت على الأسود فخنقته حتى حولت وجهه إلى قفاه. ثم دخل صاحباه فحزوا رأسه. واجتمع الأساورة بباب المدينة يقتلون أصحاب العنسي. فذكر تمام القصة ، إنما اختصرناها. وروى النسائي من حديث عبد الله بن فيروز الديلمي عن أبيه قال «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي» قال عبد الحق لا يصح في هذا الباب شيء. وتعقبه ابن القطان بأن إسناد النسائي صحيح. ولا يعارضه ما جاء إن الخبر بقتله إنما جاء إثر موت النبي صلى الله عليه وسلم لأن رواية النسائي ليس فيها التصريح أنه صادف النبي صلى الله عليه وسلم. نعم في رواية الطبري زيادة تدل على ذلك.
(١) قول الزمخشري : وبنو حنيفة باليمامة. ورئيسهم مسيلمة. روى الواقدي من طريق حبيب بن عمير الأنصارى قال «كان مسيلمة بن حبيب قد ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقال لقومه يا معشر بنى حنيفة ما الذي جعل قريشا أحق بالنبوة منكم وليسوا بأكثر منكم ولا أعد ، والله إن بلادكم لأوسع من بلادهم ، وإن جبريل ينزل على كما ينزل على محمد وشهد له الدجال بن عنعوة أن محمدا أشرك مسيلمة في الأمر ، فسألوه وشهد له. وقرأ عليهم مسيلمة قرآنا يزعمه. سبح اسم ربك الأعلى الذي يسر على الحبلى. فأخرج منها نسمة تسعى من بين أحشا وسلا فمنهم من يدس في الثرى ومنهم يعيش يحيى. إلى أجل ومنتهى. والله يعلم السر وأخفى. ولا يخفى عليه أمر الآخرة والأولى.
فبايعه أهل اليمامة فلما قدمت وفود العرب على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح قدم مسيلمة في وفد بنى حنيفة ، فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يشركه في الأمر ، وأن يجعل له الخلافة بعده فأبى. ثم إن وفد بنى حنيفة أظهروا الإسلام. وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل جوائز الوفود ورجع مسيلمة معهم مظهرا النبوة. وشهد له الدجال بن عنعوة أن محمدا أشركه في الأمر. وتمادى مسيلمة على ضلاله. إلى خلافة أبى بكر فكثر تابعوه. فجهز إليه أبو بكر في جمع من الصحابة ، فالتقوا باليمامة فاقتتلوا قتالا شديدا من طلوع الشمس إلى العصر : وكثر القتل والجراح في الفريقين ووقعت النوبة في المسلمين.
ثم تراجع المهاجرون والأنصار. فدفعوا بنى حنيفة دفعة عظيمة حتى ألجؤهم إلى حديقة فيها مسيلمة فاعتصموا بها.
وأغلقوا الباب فحاصرهم المسلمون. وقال لهم أبو دجانة ألقونى على المدينة حتى أصعد إلى أعلى الحديقة ففعلوا فهبط عليهم فقتل منهم حين فتح باب الحديقة وقتل هو وولج المسلمون الحديقة. فقتلوهم حين انتهى القتال إلى مسيلمة فطعنه عبد الله بن زيد الأنصارى. وزرقه وحشى بن حرب فاشتركا في قتله.
(٢) قوله «خالداً» في أبى السعود «أبا بكر» اه. (ع)