الفصل الخامس عشر
في العلّة الجسمانيّة
العلل الجسمانيّة (١) متناهية أثرا عدّة ومدّة وشدّة ، لأنّ الأنواع الجسمانيّة متحرّكة بجواهرها وأعراضها. فما لها من الطبائع والقوى الفعّالة منحلّة منقسمة إلى أبعاض ، كلّ منها محفوف بالعدمين السابق واللاحق ، محدود ذاتا وأثرا.
وأيضا العلل الجسمانيّة لا تفعل إلّا مع وضع خاصّ بينها وبين المادّة المنفعلة (٢). قالوا (٣) : «لأنّها لمّا احتاجت إلى المادّة في وجودها احتاجت إليها في إيجادها الّذي هو فرع وجودها ، وحاجتها إلى المادّة في إيجادها هي (٤) أن يحصل لها بسبب المادّة وضع خاصّ مع معلولها. ولذا كان للقرب والبعد والأوضاع الخاصّة دخل في كيفيّة تأثير العلل الجسمانيّة».
__________________
(١) وهي الصور النوعيّة الحالّة في الجسم.
(٢) لا يخفى أنّه لا يتّصف غير الواجب تعالى بالعلّيّة الحقيقيّة ، فالعلل الجسمانيّة علل إعداديّة لا علل حقيقيّة كي تفعل فتصير علّة فاعليّة.
(٣) فيه إشعار بضعف الاستدلال. ولعلّ وجه الضعف ما ذكره المحقّق الآمليّ في درر الفوائد ١ : ٣٧٢ حيث قال : «الإيجاد من حيث إنّه إيجاد لا يحتاج إلى المادّة ، بل احتياجه إلى المادّة من حيث كونه متفرّعا على الوجود والوجود محتاج إليها ؛ بل يمكن أن يقال : إنّ وجود المادّي أيضا غير مفتقر إلى الوضع ، لأنّه مفتقر إلى المادّة والمادّة ملزومة للوضع ، والافتقار إلى الملزوم لا يستلزم الافتقار إلى لازمه ، وإلّا يلزم أن يكون اللازم مفتقرا إلى نفسه ، وهو كما ترى».
(٤) وفي النسخ : «هو» والصحيح ما أثبتناه.