فإن قيل : فقياس الوعيد وظاهر القرآن يوجب مؤاخذة العامد بجنايته وأن لا يؤثر خطأ صاحبه في حقه.
قيل : ولكنه لما وجب بفعله قسط من الدية على العاقلة ، والدية وجبت في مقابلة المحل لخفة في جريمته صارت حرمة المحل الواحد واهية بالإضافة إلى الخاطئ ، وانتفى عنه حكم العمد المحض ، فيورث ذلك في حكم الآخر شبهة لاتحاد المحل المجنى عليه ، واستحاله تبعضه ، فصار الجميع في حكم ما لا قود فيه.
ولما كان الواجب على الشريك الذي لا قود عليه قسطه من الدية دون جميعها ، ثبت أن الجميع قد صار في حكم الخطأ ، لو لا ذلك لوجب جميع الدية ، ألا ترى أنهم لو كانوا من أهل القود لأقدنا منهم جميعا؟ فلما وجب على المشارك الذي لا قود عليه قسطه قسط من الدية قسط ، ودل ذلك على (١) سقوط القود ، وأن النفس قد صارت في حكم الخطأ ، فلذلك توزعت الدية عليهم ..
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى).
وقال تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(٢) وقال تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً)(٣) الآية .. ، وذلك يدل لأحد قولي الشافعي على الآخر ، وهو أنه يتعين القود في العمد ، لأنه تعالى قال : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، وحيث يتخير فالواجب أحد أمرين ، فلا يجوز أن يقال إن القصاص واجب بالقول (٤) المطلق ، بل الواجب أحد الأمرين ..
__________________
(١) عند الجصاص : قسطه من الدية دل ذلك على.
(٢) سورة المائدة آية ٤٥.
(٣) سورة الإسراء آية ٣٣.
(٤) لعلها بالقتل.