بالضّياء والظّلام على الدّوام.
وسأل الاسكندر بعض الحكماء عن أيّهما أسبق اللّيل أم النّهار؟ فقال : هما فى دائرة واحدة والدّائرة لا يُعرف لها أوّل ولا آخِر. وان اعتُبِر وجودُهما بالاضافة الى العالَم فلا يخلو امّا أنْ يكون الاعتبار بالاضافة الى العالم العُلْوِىّ وهو من الفَلَك المحيط الى مُقَعَّر فَلَك القَمَر أو بالاضافة الى العالَم السُّفْلِىّ وهو من مُقَعَّر فَلَك القَمَر الى كُرَة الأرض. فانْ كان بالاضافة الى العالَم العُلوىّ كان ذلك باطلا اذ العالَم العُلوىّ لا ليلَ فيه ولا نَهار اذْ لا ظلام يتَعاقب عليه. فيُسمَّى نُوره نَهارا. بل الأجرام العُلْوِيّة أجسام شفّافة مُضيئة نَيِّرة بطبعها أو بانعكاسٍ عن غيرها على الدَّوام ، وانْ كُنّا نَرَى الشَّمس والقمر يُكْسَفان عندنا فانّما ذلك الحائل يَحُولُ بين أبصارنا فى هذا العالَم وبين نُوْرَيْهِما والّا فهما فى عالمهما على وَتيرة واحدة من النّور والضّياء لا تبديل لها ولا تَغيير الى أنْ يشاء العزيز القدير. وان اعتُبِر وُجود اللّيل والنّهار الى هذا العالَم السُّفْلِىّ كان اعتبارا حَقّاً الّا أنّه يجب أنْ تكون أسماءُ اللّيل والنّهار ـ هاهنا ـ دالّة على النُّور والظُّلمة ، كما قال الخليل أنّ اللّيل عند العرب الظّلام ، والنّهار الضّوء ، حتّى لا يكون مَدلول اسْمَى اللّيل والنّهار على ما نفهمه نحن الان من تَعاقُب الضّياء والظّلام عندنا. فانْ كان ذلك كذلك كان اللَّيل مُتَقَدِّما على النّهار بالطَّبع والذّات ، على رأى المتشرّعين والفلاسفة. أمّا الفلاسفة فانّهم متّفقون على أنّ جميع أجرام العالم شفّافة منيرة أو قابلة للنّور مؤدّية له ما خلا كرة الأرض فانّها كثيفة لذاتها مظلمة بطبعها ، وأنّ الظّلام الموجود فى العالم انّما هو منها ، وأنّ ذلك ذاتىّ فيها لا عارض لها بل هو ملازم لها ملازمة الظّلّ للشّخص ، والنّور للشّمس ، والضّياء فيها انّما هو عرضىّ لها طار على الظّلام