استيلاء البَرْد والرُّطوبة على القسم الأوسط من الدّماغ الذى هو مَحَلّ الفِكْر ، فتتبرد الرُّوح ويتكاثف قوامه ويغلُظ فيتعطّل الفِكْرُ أو ينقص لأنّ الفكر حركة الرّوح من الأوسط الى المؤخَّر ثمّ رُجوعه منه الى الأوسط. والحركة انّما تكون بالحرارة ، وفَساد الفِكْر وانْ لم يكن نِسيانا فى الحقيقة ، فهو قريب من النّسيان من حيثُ أنّ صاحبه لمّا لم يقدر على استنباط النّتيجة من المقدِّمتين المستودَعتين عند الحافظ والعَقْل الفعّال اشتَبه حالُه فصار كمَنْ نَسِيَهُما ولم يتذكّرهما فأُطْلِق عليه النّسيان مجازا ، كما يُطلق عليه الحُمْق. وعلاماته علامات بُطلان الحِفْظ أو نُقصانه من البُرودة والرُّطوبة الّا أنّ الثّقل فى هذه العِلّة فى وسط الرّأس أكثر ، وعلاجه فى التّنقية وتبديل المزاج.
وأمّا فساد التّخيّل فامّا أنْ يَنْقُص ويَضْعُف عن ضَبْط صُوَر المحسوسات المخزَنة فى الخيال أو عن استحضارها على ما هى عليه عند غَيبوبتها عن الحواسَ الظّاهرة ولا تعرض له رُؤيا فى المنام الّا قليلا وينساها ، أو يبطل الخيال أصلاً فينسى صُوَر المحسوسات كيفَ كانت ، أى : سواء كانت مَرئبّة فى اليقظة أم فى النّوم ، كما ينسَى فاسِد الذِّكْر معانى المحسوسات الجزئيّة من حيث تركيبها وتَفصيلها أيضا.
وانّما قيدنا المعانى لأنّ الحافظةَ خِزانةٌ للمعانى الجزئيّة التى تتأدَّى اليها من الوهم. وأمّا المعانى الكُلّيّة التى تدركها النَّفْس النّاطقة فخزانتها العَقْلُ الفعّال. وسَببه سبب نُقصان الذِّكْر بعينه من استيلاء الرُّطوبة واليُبوسة.
قال جالينوس : فَضيلة التَّخيُّل سُرعة انطباع الصُّوَر ، وأوفق الأمزجة له اعتدال الرُّطوبة لأنّ انطباع الصُّوَر لا يُمكن فى يابسٍ ولا رطبٍ ، بل فى مُعْتَدِلٍ بينهما. الّا أنّ هذا يقع من اليبوسة أكثر ، وذلك من الرُّطوبة. لأنّ البَطْن المقدَّم