الهواء يُشْبِه تَعَفُّنَ الماء المستنقِع الاجِن. ولسنا نعنى بالهواءِ الهواءَ البسيطَ ، لأنّه لا يَعْفُن ، ولأنّه ليس هو الذى يحيط بنا ، وانّما نعنى بالهواءِ الجسمَ المبثوث فى الجوّ ، وهو جِسْمٌ ممتزِج من الهواء الحقيقىّ ومن الأجزاء المائيّة البخاريّة ومِنَ الأجزاء الأرضيّة المتصعِّدة فى الدُّخان والبُخار ، ومن أجزاء نارّيّة. وانّما تقول له هواءً كما تقول لماءِ البحار ماءً وانْ لم يكن ماءً صِرْفاً بسيطا بل ممتزِجا ، ولكنّ الغالبَ فيه الماءُ. وهذا الهواء اذا تغيَّر فى جوهره عَفَّنَ الأخلاط ، وابتدأ بتعفين الخَلط المحصور فى القلب لأنّه أقرب اليه وصولا منه الى غيره.
وأمّا الذى لاستحالةٍ فى كيفيّته فهو أنْ يَخْرُجَ فى الحرّ أو البرد الى كيفيّة غير مُحْتَمَلَةٍ حتّى يفسد له الزَّرع والنَّسل ، وذلك امّا باستحالةٍ مُجانِسَةٍ كمَعْمَعَة القَيْظ اذا اشتدّ ، وامّا باستحالةٍ مُضادَّةٍ كزَمْهَرَة البَرْدِ فى الصَّيف لعُروضِ عارضٍ. وهذا الهواء اذا تغيَّر فى كيفيَّته الى الحرارة فانّه انْ سَخنَ شديدا أرْخَى المفاصِلَ وقَلَّلَ الرُّطوبات فزادَ فى العَطَش ، وحَلَّلَ الرُّوحَ فأسْقَطَ القُوَى ومَنَعَ الهَضْمَ بتحليل الحارِّ الغريزىّ ، وصَفَّر اللّون ، وسَخَّن القلبَ سُخونة غير غَريزيّة ، وسبَّب عُفونة الأخلاط ومَيْلَها الى التَّجاويف والى الأعضاء الضَّعيفة ، وربّما نَفَع أصحابَ الأمراض الباردة ، وأمّا الهواءُ الباردُ فانّه يحصر الحارّ الغَريزىَّ داخِلاً ، ما لم يُفْرِط افْراطاً يتوغَّل به الى الباطِن فانّ ذلك مُمِيْتٌ. وقال شيخنا العلّامة : اعْلَمْ بأنّ المخصوصَ باسم الوَباء هو تغيُّر أخلاط الهواء. ومن الأطبّاء مَنْ يُسَمِّى الثّانىَ وَباءً ، أيضا.
والوَباء يُفسد الأشجار والنّبات فتفسد مُعْتَلِفاتُها من الماشية فتُفْسِدُ آكليها مِنَ النّاس. وأكثرُ ما يعرض الوباء فى آخِر الصَّيف والخريفِ.
وقال الرّازى : واذا وَقَع الوَباء فى الرّبيع كان أرْدأ داءٍ ، لأنّ هواءَ الرَّبيع أوْفَقُ