نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) [الصافات : ١٧٧] أي وصل وحل وإنزال الكتب الإلهية قد مر في المقدمات ما يطلعك إلى معارجه ، وذكر أن معنى إنزال القرآن أن جبريل سمع كلام الله تعالى كيف شاء الله تعالى فنزل به أو أظهره في اللوح كتابة فحفظه الملك وأداه بأي نوع كان من الأداء.
وذهب بعض السلف إلى أنه من المتشابه الذي نجزم به من غير بحث عن كيفيته. وقال الحكماء إن نفوس الأنبياء عليهمالسلام قدسية فتقوى على الاتصال بالملإ الأعلى فينتقش فيها من الصور ما ينتقل إلى القوة المتخيلة والحس المشترك فيرى كالمشاهد وهو الوحي وربما يعلو فيسمع كلاما منظوما ويشبه أن نزول الكتب من هذا وعندي أن هذا قد يكون لأرباب النفوس القدسية والأرواح الإنسية إلا أن أمر النبوة وراء ذلك وأين الثريا من يد المتناول.
وفعلا الإنزال مبنيان للمفعول وقرأهما النخعي وأبو حيوة ويزيد بن قطيب مبنيين للفاعل وقرئ شاذا ـ بما أنزل إليك ـ بتشديد اللام ووجه ذلك أنه أسكن لام أنزل ثم حذف همزة إلى ونقل كسرتها إلى اللام فالتقى المثلان فأدغم. وضمير الفاعل قيل الله وقيل جبريل عليهالسلام وفي البحر أن فيه التفاتا لتقدم (.. مِمَّا رَزَقْناهُمْ) فخرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة ولو جرى على الأول لجاء ـ بما أنزلنا إليك وما أنزلنا من قبلك ـ وأتى سبحانه بصلة ما الأولى فعلا ماضيا مع أن المراد بالمنزل جميعه لاقتضاء السياق ، والسباق له من ترتب الهدى والفلاح الكاملين عليه ولوقوعه في مقابلة ما أنزل قبل ولاقتضاء يؤمنون المنبئ عن الاستمرار والجميع لم ينزل وقت تنزل الآية لأمرين : الأول أنه تغليب لما وجد نزوله على ما لا يوجد فهو من قبيل إطلاق الجزء على الكل والثاني تشبيه جميع المنزل بشيء نزل في تحقق الوقوع لأن بعضه نزل وبعضه سينزل قطعا فيصير إنزال مجموعه مشبها بإنزال ذلك الشيء الذي نزل فتستعار صيغة الماضي من إنزاله لإنزال المجموع ، هذا ما حققه من يعقد عند ذكرهم الخناصر وفيه دغدغة كبرى. وأهون منه أن التعبير بالماضي هنا للمشاكلة لوقوع غير المتحقق في صحبة المتحقق ، وأهون من ذلك كله أن المراد به حقيقة الماضي ويدل على الإيمان بالمستقبل بدلالة النص. وما قيل من أن الإيمان بما سينزل ليس بواجب إلا أن حمله على الجميع أكمل فلذا اقتصر عليه لا وجه له إذ لا شبهة في أنه يلزم المؤمن أن يؤمن بما نزل وبأن كل ما سينزل حق وإن لم يجب تفصيله وتعيينه ، وقد ذكر العلماء أن الإيمان إجمالا بالكتب المنزلة مطلقا فرض عين وتفصيلا بالقرآن المتعبد بتفاصيله فرض كفاية إذ لو كان فرض عين أدى إلى الحرج والمشقة والدين يسر لا عسر ، وهذا مما لا شبهة فيه حتى قال الدواني : يجب على الكفاية تفصيل الدلائل الأصولية بحيث يتمكن معه من إزالة الشبه وإلزام المعاندين وإرشاد المسترشدين ، وذكر الفقهاء أنه لا بد أن يكون في كل حد من مسافة القصر شخص متصف بهذه الصفة ويسمى المنصوب للذب ويحرم على الإمام إخلاؤها من ذلك كما يحرم إخلاؤها عن العالم بالأحكام التي يحتاج إليها العامة وقيل لا بد من شخص كذلك في كل إقليم وقيل يكفي وجوده في جميع البلاد المعمورة الإسلامية ولعل هذا التنزل لنزول الأمر وقلة علماء الدين في الدنيا بهذا العصر.
أمست يبابا وأمسى أهلها احتملوا |
|
أخنى عليها الذي أخنى على لبد |
وإلى الله تعالى المشتكى وإليه الملتجى.
إلى الله أشكو إن في القلب حاجة |
|
تمر بها الأيام وهي كما هيا |
«والآخرة» تأنيث الآخر اسم فاعل من أخر الثلاثي بمعنى تأخر وإن لم يستعمل كما أن الآخر ـ بفتح الخاء ـ اسم تفضيل منه وهي صفة في الأصل كما في ـ الدار الآخرة. وينشئ النشأة الآخرة ـ ثم غلبت كالدنيا. والوصف الغالب قد يوصف به دون الاسم الغالب فلا يقال قيد أدهم للزوم التكرار في المفهوم وهو وإن كان من الدهمة إلا أنه يستعمله