لفظي وهو حسن دخول الهمزة وأم لأنهما في الأصل للاستفهام وهو بالفعل أولى ، ومعنوي وهو إيهام التجدد نظرا لظاهر الصيغة ، وفيه إشارة إلى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أحدث ذلك وأوجده فأدى الأمانة وبلغ الرسالة وإنما لم يؤمنوا لسبق الشقاء ودرك القضاء لا لتقصير منه وحاشاه فهو وإن أفاد اليأس فيه تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم. وعلى هنا باعتبار أصل معناه لأن الاستواء يتعدى بعلى كقوله تعالى : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤ ، يونس : ٣ ، الرعد : ٢ ، الفرقان : ٥٩ ، السجدة : ٤ ، الحديد : ٤] وقيل بمعنى عند ـ ففي المغني ـ على تجرد للظرفية ، وعلى ذلك أكثر المفسرين والقول بأنها هنا للمضرة كدعاء عليه ليس بشيء لأن (سَواءٌ) تستعمل مع على مطلقا فيقال ـ مودتي دائمة سواء علي أزرت أم لم تزر ـ «والإنذار» التخويف مطلقا أو الإبلاغ وأكثر ما يستعمل في تخويف عذاب الله تعالى ويتعدى إلى اثنين كقوله تعالى : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) [النبأ : ٤٠] (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) [فصلت : ١٣] فالمفعول الثاني هنا محذوف أي العذاب ظاهرا ومضمرا واستحسن أن لا يقدر ليعم ، وفي البحر : الإنذار الإعلام مع التخويف في مدة تسع التحفظ من المخوف فإن لم تسع فهو إشعار وإخبار لا إنذار ولم يذكر سبحانه البشارة لأنها تفهم بطريق دلالة النص لأن الإنذار أوقع في القلب وأشد تأثيرا فإذا لم ينفع كانت البشارة بعدم النفع أولى. وقيل لا محل للبشارة هنا لأن الكافر ليس أهلا لها. وقوله عزّ من قائل (لا يُؤْمِنُونَ) يحتمل أن تكون مفسرة لإجمال ما قبلها مما فيه الاستواء والكفر وعدم نفع الإنذار في الماضي بحسب الظاهر مسكوت فيه عن الاستمرار و (لا يُؤْمِنُونَ) دال عليه ومبين له فلا حاجة إلى القول بأن هذا بالنظر إلى مفهوم اللفظ مع قطع النظر عن أنه إخبار عن المصرين وهي حينئذ لا محل لها من الإعراب كما هو شأن الجمل المفسرة ، وعند الشلوبين لها محل لأنها عطف بيان عنده ويحتمل أن تكون حالا مؤكدة لما قبلها وصاحب الحال ضمير عليهم أو أنذرتهم وليس هذا كزيد أبوك عطوفا لفقد ما يشترط (١) في هذا النوع هاهنا وأن تكون بدلا ، إما بدل اشتمال لاشتمال عدم نفع ما مر على عدم الإيمان ، أو بدل كل لأنه عينه بحسب المآل أو خبرا بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف ـ أي هم لا يؤمنون ـ أو خبر إن والجملة قبلها اعتراض. وفي التسهيل : الاعتراضية هي المفيدة تقوية وهي هنا كالعلة للحكم لدلالتها على قسوة قلوبهم وعدم تأثرها بالإنذار وهو مقتض لعدم الإيمان ، وحيث إن الموضوع دال على عدم الإيمان في الماضي والمحمول على استمراره في المستقبل اندفع توهم عدم الفائدة في الإخبار وجعل الجملة دعائية بعيد ، وأبعد منه ما روي أن الوقف على ـ أم لم تنذر ـ والابتداء ـ بهم لا يؤمنون ـ على أنه مبتدأ وخبر بل ينبغي أن لا يلتفت إليه ، وقرأ الجحدري (سَواءٌ) بتخفيف الهمزة على لغة الحجاز فيجوز أنه أخلص الواو ويجوز أنه جعل الهمزة بين بين أي بين الهمزة والواو (٢) وعن الخليل أنه قرأ : «سوء» عليهم بضم السين مع واو بعدها فهو عدول عن معنى المساواة إلى السب والقبح وعليه لا تعلق أعرابيا له بما بعده كما في البحر ، وقرأ الكوفيون وابن ذكوان ـ وهي لغة بني تميم ـ (أَأَنْذَرْتَهُمْ) بتحقيق الهمزتين وهو الأصل ، وأهل الحجاز لا يرون الجمع بينهما طلبا للتخفيف فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية إلا أن أبا عمرو وقالون وإسماعيل بن جعفر عن نافع وهشام يدخلون بينهما ألفا وابن كثير لا يدخل ، وروي تحقيقهما عن هشام مع إدخال ألف بينهما وهي قراءة ابن عباس وابن أبي إسحاق. وروي عن ورش كابن كثير وكقالون إبدال الهمزة الثانية ألفا فيلتقي ساكنان على غير حدهما عند البصريين ، وزعم الزمخشري أن ذلك لحن وخروج عن كلام العرب من وجهين «أحدهما» الجمع بين ساكنين على غير حده «الثاني» أن طريق تخفيف الهمزة
__________________
(١) فقد اشترط النحاة فيه الوقوع بعد جملة اسمية طرفاها معرفتان جامدان وعاملها محذوف أبدا ا ه منه
(٢) ولامها على هذا واو لا ياء وفي المشهور همزتها منقلبة عن ياء فهو من باب طويت ا ه منه.