هو بعينه ما صدق عليه وجوده ، وليس لهما هويتان متمايزتان في الخارج كالسواد والجسم إذ الوجود إن قام بالماهية معدومة لزم التناقض ، وموجودة لزم وجودان مع الدور أو التسلسل ، والقول بأن الوجود ينضم إلى الماهية من حيث هي لا تحقيق فيه ، إذ تحقق في محله أن الماهية قبل عروض الوجود متصفة في نفس الأمر بالعدم قطعا لاستحالة خلوها عن النقيضين فيه ، غاية الأمر أنا إذا لم نعتبر معها العدم لا يمكن أن نحكم عليها بأنها معدومة ، وعدم اعتبارنا العدم معها حين عروض الوجود لا يجعلها منفكة عنه في نفس الأمر وإنما يجعلها منفكة عنه باعتبارنا وضم الوجود أمر يحصل لها باعتبار نفس الأمر لا من حيث اعتبارنا ، فخلوها عن العدم باعتبارنا لا يصحح اتصافها بالوجود من حيث هي هي في نفس الأمر سالما عن المحذور فإذا ليس هناك هويتان تقوم إحداهما بالأخرى بل عين الشخص في الخارج عين تعين الماهية فيه وهو عين الماهية فيه أيضا إذ ليس التعين أمرا وجوديا مغايرا بالذات للشخص منضما للماهية في الخارج ممتازا عنهما فيه مركبا منها ومن الفرد بل لا وجود في الخارج إلا للأشخاص ، وهي عين تعيينات الماهية وعين الماهية في الخارج لاتحادهما فيه ، وعلى هذا فلا شك في مقدورية الممكن إذ جعله بجعل حصته من الوجود المطلق الموجود في الخارج مقترنة بأعراض وهيئات يقتضيها استعداد حصته من الماهية النوعية فيكون شخصا ، وإيجاد الشخص من الماهية ـ على الوجه المذكور ـ عين إيجاد الماهية لأنهما متحدان في الخارج جعلا ووجودا متمايزان في الذهن فقط ، وهذا تحقيق قولهم : المجعول هو الوجود الخاص ، ولا يستعد معدوم لعروضه إلا إذا كان له ثبوت في نفس الأمر إذ ما لا ثبوت له ـ وهو المنفي ـ لا اقتضاء فيه لعروض الوجود بوجه ، وإلا لكان المحال ممكنا واللازم باطل ، فالثبوت الأزلي لماهية الممكن هو المصحح لعروض الإمكان المصحح للمقدورية لا أنه المانع كما توهموه ، هذا والبحث طويل والمطلب جليل ، وقد أشبعنا الكلام عليه ـ في الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية ـ على وجه رددنا فيه كلام المعترضين المخالفين لما تبعنا فيه ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم ، وهذه نبذة يسيرة تنفعك في تفسير الآية الكريمة فاحفظها فلا أظنك تجدها في تفسير ، وحيث كان الشيء عاما لغة واصطلاحا عند أهل الله تعالى ، وإن ذهب إليه المعتزلة أيضا فلا بد في مثل ما نحن فيه من تخصيصه بدليل العقل بالممكن. والقدرة عند الأشاعرة صفة ذاتية ذات إضافة تقتضي التمكن من الإيجاد والإعدام والإبقاء لا نفس التمكن لأنه أمر اعتباري ولا نفي العجز عنه تعالى لأنه من الصفات السلبية ، ولعل من اختار ذلك اختاره تقليلا للصفات الذاتية ، أو نفيا لها «والقادر» هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، ولكون المشيئة عندنا صفة مرجحة لأحد طرفي المقدور ، وعند الحكماء ـ العناية الأزلية ـ ساغ لنا أن نعرفه بما ذكر دونهم خلافا لمن وهم فيه ـ والقدير ـ هو الفعال لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة ، وقلما يوصف به غيره تعالى ، والمقتدر إن استعمل فيه ـ تعالى ـ فمعناه «القدير» أو في البشر فمعناه المتكلف والمكتسب للقدرة ، واشتقاق القدرة من القدر بمعنى التحديد والتعيين ، وفي الآية دليل على أن الممكن الحادث حال بقائه مقدور لأنه شيء وكل شيء مقدور له تعالى ، ومعنى كونه مقدورا أن الفاعل إن شاء أعدمه وإن شاء لم يعدمه واحتياج الممكن حال بقائه إلى المؤثر مما أجمع عليه من قال : إن علة الحاجة هي الإمكان ضرورة أن الإمكان لازم له حال البقاء وأما من قال : إن علة الحاجة الحدوث وحده أو مع الإمكان قال باستغنائه إذ لا حدوث حينئذ وتمسك في ذلك ببقاء البناء بعد فناء البناء ، ولما رأى بعضهم شناعة ذلك قالوا : إن الجواهر لا تخلو عن الأعراض وهي لا تبقى زمانين فلا يتصور الاستغناء عن القادر سبحانه بحال ، وهذا مما ذهب إليه الأشعري ـ ولما فيه من مكابرة الحس ظاهرا ـ أنكره أهل الظاهر ، نعم يسلمه العارفون من أهل الشهود ـ وناهيك بهم ـ حتى إنهم زادوا على ذلك فقالوا : إن الجواهر لا تبقى زمانين أيضا والناس في لبس من خلق جديد ، وأنا أسلم ما قالوا وأفوض أمري إلى الله الذي لا يتقيد بشأن وقد كان ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان ، ثم المراد من هذا التمثيل تشبيه حال المنافقين في الشدة