بترتب الانفجار على ضربك ، وقال بعض المتأخرين (١) : لا حذف ، بل ـ الفاء ـ للعطف وإن مقدرة بعد ـ الفاء ـ كما هو القياس ، بعد الأمر عند قصد السببية ، والتركيب من قبيل ـ زرني فأكرمك ـ أي (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فإن انفجرت فليكن منك الضرب فالانفجار ـ ولا يخفى ما في كل حتى قال مولانا مفتي الديار الرومية في الأول إنه غير لائق بجلالة شأن النظم الكريم ـ والثاني أدهى وأمرّ ـ والانفجار انصداع شيء من شيء ، ومنه الفجر والفجور ، وجاء هنا «انفجرت» وفي الأعراف [١٦٠] «انبجست» فقيل : هما سواء وقيل : بينهما فرق وهو أن الانبجاس أول خروج الماء ، والانفجار اتساعه وكثرته ، أو الانبجاس خروجه من الصلب ، والآخر خروجه من اللين ، والظاهر استعمالهما بمعنى واحد ـ وعلى فرض المغايرة ـ لا تعارض لاختلاف الأحوال ، و (من) لابتداء الغاية ، والضمير عائد على ـ الحجر المضروب ـ وعوده إلى الضرب ، و (من) سببية مما لا ينبغي الإقدام عليه ، والتاء في ـ اثنتا ـ للتأنيث ، ويقال : ثنتا إلا أن التاء فيها على ما في البحر للإلحاق ، وهذا نظير أنبت ، ونبت ولامها محذوفة ، وهي ياء لأنها من ثنيت ، وقرأ مجاهد وجماعة ـ ورواه السعدي عن أبي عمرو ـ عشرة بكسر الشين وهي لغة بني تميم ، وقرأ الفضل الأنصاري بفتحها قال ابن عطية : وهي لغة ضعيفة ، ونص بعض النحاة على الشذوذ ، ويفهم من بعض المتأخرين أن هذه اللغات في المركب لا في عشرة وحدها ، وعبارات القوم لا تساعده ، و ـ العين ـ منبع الماء وجمع على أعين شذوذا وعيون قياسا ، وقالوا في أشراف الناس : أعيان ، وجاء ذلك في الباصرة قليلا كما في قوله* أعيانا لها ومآقيا* وهو منصوب على التمييز ، وإفراده في مثل هذا الموضع لازم ، وأجاز الفراء أن يكون جمعا ، وكان هذا العدد دون غيره لكونهم كانوا اثني عشر سبطا وكان بينهم تضاغن وتنافس فأجرى الله تعالى لكل سبط عينا يردها لا يشركه فيها أحد من السبط الآخر دفعا لإثارة الشحناء ، ويشير إلى حكمة الانقسام ، قوله تعالى : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) وهي جملة مستأنفة مفهمة على أن كل سبط منهم قد صار له مشرب يعرفه فلا يتعدى لمشرب غيره ، و (أُناسٍ) جمع لا واحد له من لفظه ، وما ذكر من شذوذ إثبات همزته إنما هو مع الألف واللام ، وأما بدونها فشائع صحيح ، و (عَلِمَ) هنا متعدية لواحد أجريت مجرى عرف ـ ووجد ذلك بكثرة ـ و ـ المشرب ـ إما اسم مكان أي محل الشرب ، أو مصدر ميمي بمعنى الشرب ، وحمله بعضهم على المشروب وهو الماء ، وحمله على المكان أولى عند أبي حيان ، وإضافة المشرب إليهم لأنه لما تخصص كل مشرب بمن تخصص به صار كأنه ملك لهم وأعاد الضمير في مشربهم على معنى (كُلُ) ولا يجوز أن يعود على لفظها لأن ـ كلّا ـ متى أضيف إلى نكرة وجب مراعاة المعنى كما في قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١] وقوله :
وكل أناس سوف تدخل بينهم |
|
دويهية تصفرّ منها الأنامل |
ونص على المشرب تنبيها على المنفعة العظيمة التي هي سبب الحياة وإن كان سرد الكلام يقتضي ـ قد علم كل أناس عينهم ـ وفي الكلام حذف أي منها لأن (قَدْ عَلِمَ) صفة ـ لاثنتا عشرة عينا ـ فلا بد من رابط ، وإنما وصفها به لأنه معجزة أخرى حيث يحدث مع حدوث الماء جداول يتميز بها مشرب كل من مشرب آخر ، ويحتمل أن تكون الجملة حالية لا صفة لقوله تعالى : (اثْنَتا عَشْرَةَ) لئلا يحتاج إلى تقدير العائد وليفيد مقارنة العلم بالمشارب للانفجار ، والمشرب حينئذ العين (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) على إرادة القول ، وبدأ بالأكل لأن قوام الجسد به ، والاحتياج إلى الشرب حاصل عنه ، و (مِنْ) لابتداء الغاية ، ويحتمل أن تكون للتبعيض ، وفي ذكر الرزق مضافا تعظيم
__________________
(١) هو عصام الدين ا ه منه