تنازع فيه الكفر ، والقتل ، وفي البحر أنه متعلق بما عنده ، وزعم بعض الملحدين ـ أن بين هذه الآية ـ وما أشبهها ، وقوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) [غافر : ٥١] تناقضا ـ وأجيب بأن المقتولين من الأنبياء والموعود بنصرهم الرسل ورد بأن قوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ) [البقرة : ٨٧] إلى قوله سبحانه : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة : ٨٧] يدل على أن المقتول رسل أيضا ، وأجاب بعضهم بأن المراد النصرة بغلبة الحجة أو الأخذ بالثأر كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الله تعالى قدر أن يقتل بكل نبي سبعين ألفا ، وبكل خليفة خمسا وثلاثين ألفا ولا يخفى ما فيه ، فالأحسن أن المراد بالرسل المأمورون بالقتال ـ كما أجاب به المحققين ـ لأن أمرهم بالقتال وعدم عصمتهم لا يليق بحكمة العزيز الحكيم ، وقرأ علي رضي الله تعالى عنه : يقتلون بالتشديد ، والحسن في رواية عنه وتقتلون بالتاء فيكون ذلك من الالتفات ، وقرأ نافع بهمز النبيين وكذا النبي ، والنبوة ، واستشكل بما روي أن رجلا قال للنبي صلىاللهعليهوسلم «يا نبيء الله بالهمز فقال لست بنبيء الله ـ يعني مهموزا ـ ولكن نبي الله» بغير همزة فأنكر عليه ذلك. ولهذا منع بعضهم من إطلاقه عليه عليه الصلاة والسلام على أنه استشكل أيضا جمع النبي على نبيين وهو فعيل بمعنى مفعول ، وقد صرحوا بأنه لا يجمع جمع مذكر سالم. وأجيب عن الأول بأن أبا زيد حكى نبأت من الأرض إذا خرجت منها فمنع لوهم أن معناه يا طريد الله تعالى فنهاه عن ذلك لإيهامه ، ولا يلزم من صحة استعمال الله تعالى له في حق نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ـ الذي برأه من كل نقص ـ جوازه من البشر ، وقيل إن النهي كان خاصا في صدر الإسلام حيث دسائس اليهود كانت فاشية وهذا كما نهى عن قول (راعِنا) إلى قول (انْظُرْنا) [البقرة : ١٠٤] وعن الثاني بأنه ليس بمتفق عليه إذ قيل : إنه بمعنى فاعل ولو سلم فقد خرج عن معناه الأصلي ، ولم يلاحظ فيه هذا إذ يطلقه عليه من لا يعرف ذلك ، فصح جمعه باعتبار المعنى الغالب عليه فتدبر.
(ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) إشارة إلى الكفر والقتل الواقعين سببا لما تقدم ، وجازت الإشارة بالمفرد إلى متعدد للتأويل بالمذكور ، ونحوه مما هو مفرد لفظا متعدد معنى ، وقد يجري مثل ذلك في الضمير حملا عليه ، والباء للسببية ، وما بعدها سبب للسبب ، والمعنى أن الذي حملهم على الكفر بآيات الله تعالى ، وقتلهم الأنبياء إنما هو تقدم عصيانهم واعتدائهم ومجاوزتهم الحدود ، والذنب يجر الذنب ، وأكد الأول لأنه مظنة الاستبعاد بخلاف مطلق العصيان ، وقيل : الباء بمعنى مع ، وقيل : الإشارة بذلك إلى ما أشير إليه بالأول ، وترك العاطف للدلالة على أن كل واحد منهما مستقل في استحقاق الضرب فكيف إذا اجتمعا وضعف هذا الوجه بأن التكرار خلاف الأصل مع فوات معنى لطيف حصل بالأول وسابقه بأنه لا يظهر حينئذ ـ لإيراد كلمة ذلك ـ فائدة إذ الظاهر (بِما عَصَوْا) إلخ ويفوت أيضا ما يفوت ، وحظ العارف من هذه الآيات الاعتبار بحال هؤلاء الذين لم يرضوا بالقضاء ولم يشكروا على النعماء ولم يصبروا على البلواء كيف ضرب عليهم ذل الطغيان قبل وجود الأكوان ، وقهرهم بلطمة المسكنة في بيداء الخذلان وألبس قلوبهم حب الدنيا وأهبطهم من الدرجة العليا.
«ومن باب الإشارة» الطعام الواحد هو الغذاء الروحاني من الحكمة والمعرفة ، وما تنبته الأرض هو الشهوات الخبيثة واللذات الخسيسة والتفكهات الباردة الناشئة من أرض النفوس المبتذلة في مصر البدن الموجبة للذلة لمن ذاقها والمسكنة لمن لاكها والهلاك لمن ابتلعها ، وسبب طلب ذلك الاحتجاب عن آيات الله تعالى وتجلياته وتسويد القلوب بدرن الذنوب وقطع وريدها بقطع واردها ، والذي يجر إلى هذا الغفلة عن المحبوب ، والاعتياض بالاغيار عن ذلك المطلوب نسأل الله تعالى لنا ولكم العافية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) لما انجر الكلام إلى ذكر وعيد أهل الكتاب قرن به