معتلا بمعنى مال لخروجهم عن الدين الحق وميلهم إلى الباطل ، وقرأ نافع وحده بالياء وذلك إما على الأصل أو الإبدال للتخفيف.
(مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) أي أحدث من هذه الطوائف إيمانا بالله تعالى وصفاته وأفعاله والنبوات ، وبالنشأة الثانية على الوجه اللائق ، وأتى ـ بعمل صالح ـ حسبما يقتضيه الإيمان بما ذكر ، وهذا مبني على أول الأقوال ، والقائلون بآخرها منهم من فسر الآية بمن اتصف من أولئك بالإيمان الخالص بالمبدإ والمعاد على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثبات ، والدوام عليه كإيمان المخلصين ، أو بطريق إحداثه ، وإنشائه كإيمان من عداهم من المنافقين ، وسائر الطوائف ، وفائدة التعميم للمخلصين مزيد ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين ، ومنهم من فسرها بمن كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقا بقلبه بالمبدإ والمعاد عاملا بمقتضى شرعه ، فيعم الحكم المخلصين من أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، والمنافقين الذين تابوا ، واليهود والنصارى الذين ماتوا قبل التحريف والنسخ (وَالصَّابِئِينَ) الذين ماتوا زمن استقامة أمرهم إن قيل : إن لهم دينا ، وكذا يعم اليهود والصائبين الذين آمنوا بعيسى عليهالسلام وماتوا في زمنه ، وكذا من آمن من هؤلاء الفرق بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم. وفائدة ذكر (الَّذِينَ آمَنُوا) على هذا مع أن الوعيد السابق كان في اليهود لتسكين حمية اليهود بتسوية المؤمنين بهم في أن كون كل في دينه «قبل النسخ» يوجب الأجر «وبعده» يوجب الحرمان ، كما أن ذكر (الصَّابِئِينَ) للتنبيه على أنهم مع كونهم أبين المذكورين ضلالا يتاب عليهم إذا صح منهم الإيمان والعمل الصالح ، فغيرهم بالطريق الأولى وانفهام قبل النسخ من (وَعَمِلَ صالِحاً) إذ لا صلاح في العمل بعده ، وهذا هو الموافق لسبب النزول لا سيما على رواية أن سلمان رضي الله تعالى عنه ذكر للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم حسن حال الرهبان الذين صحبهم ، فقال : «ماتوا وهم في النار» فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال عليه الصلاة والسلام : «من مات على دين عيسى عليهالسلام قبل أن يسمع بي فهو على خير ، ومن سمع ولم يؤمن بي فقد هلك».
والمناسب لعموم اللفظ وعدم صرفه إلى تخصيص (الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى) بالكفرة منهم وتخصيص (مَنْ آمَنَ) إلخ بالدخول في ملة الإسلام ، إلا أنه يرد عليه أنه مستلزم أن يكون للصابئين دين ، وقد ذكر غير واحد أنه ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات «ففي الملل والنحل» أن الصورة في مقابلة الحنيفية ، ولميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم : الصابئة ، ولو سلم أنه كان لهم دين سماوي ثم خرجوا عنه ، فمن مضى من أهل ذلك الدين قبل خروجهم منه ليسوا من (الصَّابِئِينَ) فكيف يمكن إرجاع الضمير الرابط بين اسم (إِنَ) وخبرها إليهم ـ على القول المشهور ـ وارتكاب إرجاعه إلى المجموع من حيث هو مجموع قصدا إلى إدراج الفريق المذكور فيهم ضرورة أن من كان من أهل الكتاب عاملا بمقتضى شرعه قبل نسخه من مجموع أولئك الطوائف بحكم اشتماله على اليهود والنصارى وإن لم يكن من (الصَّابِئِينَ) مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه؟! على أن فيه بعد ما لا يخفى فتدبر. و (مَنْ) مبتدأ ، وجوزوا فيها أن تكون موصولة والخبر جملة قوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ودخلت ـ الفاء ـ لتضمن المبتدأ معنى الشرط كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) [البروج : ١٠] الآية ، وأن تكون شرطية ـ وفي خبرها خلاف ـ هل الشرط ، أو الجزاء ، أو هما؟ وجملة (مَنْ آمَنَ) إلخ خبر (إِنَ) فإن كانت (مَنْ) موصولة ـ وهو الشائع هنا ـ احتيج إلى تقدير ـ منهم ـ عائدا ، وإن كانت شرطية لم يحتج إلى تقديره ـ إذ العموم يغني عنه ـ كأنه قيل : هؤلاء وغيرهم إذا آمنوا (فَلَهُمْ) إلخ على ما قالوا في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠] وجوز بعضهم أن تكون (مَنْ)