مضاف أي في حكم السبت لأن الاعتداء والتجاوز لم يقع في اليوم بل وقع في حكمه بناء على ما حكي أن موسى عليهالسلام أراد أن يجعل يوما خالصا للطاعة وهو يوم الجمعة فخالفوه وقالوا : نجعله يوم السبت لأن الله تعالى لم يخلق فيه شيئا فأوحى الله تعالى إليه أن دعهم وما اختاروا ثم امتحنهم فيه فأمرهم بترك العمل وحرم عليهم فيه صيد الحيتان فلما كان زمن داود عليهالسلام ـ اعتدوا ـ وذلك أنهم كانوا يسكنون قرية على الساحل يقال لها أيلة. وإذا كان يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا حظر هناك وأخرج خرطومه وإذا مضى تفرقت فحفروا حياضا وأشرعوا إليها الجداول وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت بالموج فلا تقدر على الخروج لبعد العمق وقلة الماء فيصطادونها يوم الأحد ، وروي أنهم فعلوا ذلك زمانا فلم ينزل عليهم عقوبة فاستبشروا وقالوا : قد أحل لنا العمل في السبت فاصطادوا فيه علانية وباعوا في الأسواق ، وعلى هذا يصح جعل اليوم ظرفا للاعتداء ، ولا يحتاج إلى تقدير مضاف ، وقيل : المراد بالسبت هنا مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت وليس بمعنى اليوم فحينئذ لا حاجة إلى تقدير مضاف إذ يؤول المعنى إلى أنهم اعتدوا في التعظيم وهتكوا الحرمة الواجبة عليهم. وقد ذكر بعضهم أن تسمية العرب للأيام بهذه الأسماء المشهورة حدثت بعد عيسى عليهالسلام وأن أسماءها قبل غير ذلك وهي التي في قوله :
أؤمل أن أعيش وأن يومي |
|
بأول أو بأهون أو جبار |
أو التالي دبار فإن أفته |
|
فمونس أو عروبة أو شبار |
واستدل بهذه الآية على تحريم الحيل في الأمور التي لم تشرع كالربا ـ وإلى ذلك ذهب الإمام مالك ـ فلا تجوز عنده بحال قال الكواشي : وجوزها أكثرهم ما لم يكن فيها إبطال حق أو إحقاق باطل ، وأجابوا عن التمسك بالآية فإنها ليست حيلة وإنما هي عين المنهي عنه لأنهم إنما نهوا عن أخذها ولا يخفى ما في هذا الجواب ، وتحقيقه في كتب الفقه (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) القردة جمع قرد وهو معروف ويجمع فعل الاسم قياسا على فعول ، وقليلا على فعلة ، و ـ الخسوء ـ الصغار والذلة ويكون متعديا ولازما. ومنه قولهم للكلب : اخسأ وقيل : الخسوء والخساء مصدر خسأ الكلب بعد ، وبعضهم ذكر الطرد عند تفسير الخسوء كالإبعاد ، فقيل : هو لاستيفاء معناه لا لبيان المراد ، وإلا لكان الخاسئ بمعنى الطارد ، والتحقيق أنه معتبر في المفهوم إلا أنه بالمعنى المبني للمفعول ، وكذلك الإبعاد فالخاسئ الصاغر المبعد المطرود ، وظاهر القرآن أنهم مسخوا قردة على الحقيقة ، وعلى ذلك جمهور المفسرين ـ وهو الصحيح ـ وذكر غير واحد منهم أنهم بعد أن مسخوا لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ولم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام ، وزعم مقاتل أنهم عاشوا سبعة أيام وماتوا في اليوم الثامن ، واختار أبو بكر بن العربي أنهم عاشوا ـ وأن القردة الموجودين اليوم من نسلهم ـ ويرده ما رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لمن سأله عن القردة والخنازير : أهي مما مسخ؟ «إن الله تعالى لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك» وروى ابن جرير عن مجاهد «أنه ما مسخت صورهم ولكن مسخت قلوبهم فلا تقبل وعظا ولا تعي زجرا» فيكون المقصود من الآية تشبيههم بالقردة كقوله :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى |
|
فكن (حجرا) من يابس الصخر جلمدا |
و (كُونُوا) «على الأول» ليس بأمر حقيقة ، لأن صيرورتهم إلى ما ذكر ليس فيه تكسب لهم لأنهم ليسوا قادرين على قلب أعيانهم ، بل المراد منه سرعة التكوين وأنهم صاروا كذلك كما أراد من غير امتناع ولا لبث.
«وعلى الثاني» يكون الأمر مجازا عن التخلية والترك والخذلان ـ كما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «اصنع ما شئت» وقد قرره العلامة في تفسير قوله تعالى : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) [العنكبوت : ٦٦]