تكونوا متقين ويرجح المعنى المجازي أنه لا معنى لرجائهم فيما يشق عليهم أعني التقوى ، اللهم إلا باعتبار تكلف أنهم سمعوا مناقب المتقين ودرجاتهم فلذا كانوا راجين للانخراط في سلكهم ، وجوز المعتزلة كونها متعلقة ـ بقلنا ـ المقدر وأولو الترجي بالإرادة أي (قلنا) و ـ اذكروا ـ إرادة أن تتقوا ، وهو مبني على أصلهم الفاسد من أن إرادة الله تعالى لأفعال العباد غير موجبة للصدور لكونها عبارة عن العلم بالمصلحة ، وجوز العلامة تعلقها إذا أول الترجي بالإرادة ـ بخذوا ـ أيضا على أن يكون قيدا للطلب لا للمطلوب ، وجوز الشهاب أن يتعلق بالقول على تأويله بالطلب والتخلف فيه جائز ، وفيه أن القول المذكور وهو (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) بعينه طلب التقوى فلا يصح أن يقال ـ خذوا ما آتيناكم ـ طالبا منكم التقوى إلا بنوع تكلف فافهم (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي أعرضتم عن الوفاء بالميثاق بعد أخذه وخالفتم ، وأصل التولي الإعراض المحسوس ثم استعمل في الإعراض المعنوي كعدم القبول ، ويفهم من الآية أنهم امتثلوا الأمر ثم تركوه.
(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الفضل التوفيق للتوبة والرحمة قبولها ، أو الفضل والرحمة بعثة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإدراكهم لمدته ، فالخطاب على الأول جار على سنن الخطابات السابقة مجازا باعتبار الإسلاف وعلى الثاني جار على الحقيقة ، والخسران ذهاب رأس المال أو نقصه ، والمراد لكنتم مغبونين هالكين بالانهماك في المعاصي ، أو بالخبط في مهاوي الضلال عند الفترة ، وكلمة ـ لو لا ـ إما بسيطة أو مركبة من لو الامتناعية وتقدم الكلام عليها ، وحرف النفي ـ والاسم الواقع بعدها عند سيبويه ـ مبتدأ خبره محذوف وجوبا لدلالة الحال عليه وسد الجواب مسده ، والتقدير ـ ولو لا فضل الله ورحمته ـ حاصلان ، ولا يجوز أن يكون الجواب خبرا لكونه في الأغلب خاليا عن العائد إلى المبتدأ ، وعند الكوفيين فاعل فعل محذوف أي لو لا ثبت فضل الله تعالى إلخ ، و (لَكُنْتُمْ) جواب ـ لو لا ـ ويكثر دخول اللام على الجواب إذا كان موجبا ، وقيل : إنه لازم إلا في الضرورة كقوله :
لو لا الحياء ولو لا الدين (عبتكما) |
|
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري |
وجاء في كلامهم بعد اللام قد ، كقوله :
لو لا الأمير ولو لا خوف طاعته |
|
(لقد) شربت وما أحلى من العسل |
وقد جاء أيضا حذف اللام وإبقاء قد نحو ـ لو لا زيد قد أكرمتك ـ ولم يجىء في القرآن مثبتا إلا باللام إلا فيما زعم بعضهم أن قوله تعالى : (وَهَمَّ بِها) [يوسف : ٢٤] جواب لو لا قدم عليها هذا (من باب الإشارة والتأويل في الآية) (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) المأخوذ بدلائل العقل بتوحيد الأفعال ـ والصفات ورفعنا فوقكم طور ـ الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها ، أو أشار سبحانه ـ بالطور ـ إلى موسى القلب ، وبرفعه إلى علوه واستيلائه في جو الإرشاد وقلنا (خُذُوا) أي اقبلوا (ما آتَيْناكُمْ) من كتاب العقل الفرقاني بجد ، وعوا ما فيه من الحكم والمعارف والعلوم والشرائع لكي تتقوا الشرك والجهل والفسق ثم أعرضتم بإقبالكم إلى الجهة السفلية بعد ذلك فلولا حكمة الله تعالى بإمهاله وحكمه بإفضاله لعاجلتكم العقوبة ولحل بكم عظيم المصيبة
إلى الله يدعى بالبراهين من أبى |
|
فإن لم يجب بادته بيض الصوارم |
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) اللام واقعة في جواب قسم مقدر ، و ـ علم ـ هنا كعرف فلذلك تعدت إلى واحد ، وظاهر هذا أنهم علموا أعيان المعتدين ، وقدر بعضهم مضافا أي اعتداء الذين ، وقيل : أحكامهم ، و (مِنْكُمْ) في موضع الحال ، و (السَّبْتِ) اسم لليوم المعروف وهو مأخوذ من السبت الذي هو القطع لأنه سبت فيه خلق كل شيء وعمله ، وقيل : من السبوت وهو الراحة والدعة. والمراد به هنا اليوم ، والكلام على حذف