على العبادة وإزالة وحشة التفرقة ودفع ظلمة الاشتغال بالأمور الدنيوية ، فوضع (السَّبْتِ) لليهود لأن عالم الحس الذي إليه دعوة اليهود هو آخر العوالم و (السَّبْتِ) آخر الأسبوع ، والأحد للنصارى لأن عالم العقل الذي إليه دعوتهم أول العوالم ، ويوم الأحد أول الأسبوع ، والجمعة للمسلمين لأنه يوم الجمع ، ـ والختم ـ فهو أوفق بهم وأليق بحالهم ـ فمن لم يراع هذه الأوضاع والمراقبات أصلا ـ زال نور استعداده ، وطفئ مصباح فؤاده ، ومسخ كما مسخ أصحاب السبت ، ومن غلب عليه وصف من أوصاف الحيوانات ورسخ فيه بحيث أزال استعداده ، وتمكن في طباعه ، وصار صورة ذاتية له كالماء الذي منبعه معدن الكبريت مثلا أطلق عليه اسم ذلك الحيوان حتى كأن صار طباعه طباعه ، ونفسه نفسه ، فليجهد المرء على حفظ إنسانيته ، وتدبير صحته بشراب الأدوية الشرعية والمعاجين الحكمية ، وليحث نفسه بالمواعظ الوعدية والوعيدية
هي النفس إن تهمل تلازم خساسة |
|
وإن تنبعث نحو الفضائل تلهج |
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) بيان نوع من مساوئهم من غير تعديد النعم وصح العطف لأن ذكر النعم سابقا كان مشتملا على ذكر المساوئ أيضا من المخالفة للأنبياء والتكذيب لهم وغير ذلك ، وقد يقال : هو على نمط ما تقدم ، لأن الذبح نعمة دنيوية لرفعة التشاجر بين الفريقين ، وأخروية لكونه معجزة لموسى عليهالسلام. وكأن مولانا الإمام الرازي خفي عليه ذلك فقال : إنه تعالى لما عدد وجوه إنعامه عليهم أولا ختم ذلك بشرح بعض ما وجه إليهم من التشديدات ، وجعل النوع الثاني ما أشارت إليه هذه الآية ـ وليس بالبعيد.
«وأول القصة» قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) [البقرة : ٧٢] إلخ ، وكان الظاهر أن يقال ـ قال موسى إذ قتل قتيل تنوزع في قاتله ـ إن الله يأمر بذبح بقرة هي كذا وكذا ، وأن يضرب ببعضها ذلك القتيل ويخبر بقاتله فيكون كيت وكيت إلا أنه فك بعضها وقدم لاستقلاله بنوع من مساوئهم التي قصد نعيها عليهم ، وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السؤال ، وترك المصارعة إلى الامتثال ، ولو أجرى على النظم لكانت قصة واحدة ، ولذهبت تثنية التقريع ، وقد وقع في النظم من فك التركيب والترتيب ما يضاهيه في بعض القصص ، وهو من المقلوب المقبول لتضمنه نكتا وفوائد ، وقيل : إنه يجوز أن يكون ترتيب نزولها على موسى عليهالسلام على حسب تلاوتها بأن يأمرهم الله تعالى ـ بذبح البقرة ـ ثم يقع القتل فيؤمروا بضرب بعضها ـ لكن المشهور خلافه ـ والقصة أنه عمد اخوان من بني إسرائيل إلى ابن عم لهما ـ أخي أبيهما ـ فقتلاه ليرثا ماله وطرحاه على باب محلهم ثم جاءا يطلبان بدمه فأمر الله تعالى بذبح بقرة وضربه ببعضها ليحيا ، ويخبر بقاتله ، وقيل : كان القاتل أخا القتيل ، وقيل : ابن أخيه ولا وارث له غيره فلما طال عليه عمره قتله ليرثه ، وقيل : إنه كان ـ تحت رجل يقال له عاميل ـ بنت عم لا مثل لها في بني إسرائيل في الحسن والجمال فقتله ذو قرابة له لينكحها فكان ما كان ، وقرأ الجمهور ـ يأمركم ـ بضم الراء ، وعن أبي عمرو ، السكون ، والاختلاس ـ وإبدال الهمزة ألفا ، و (أن) تذبحوا في موضع المفعول الثاني ليأمر ، وهو على إسقاط حرف الجر ـ أي بأن تذبحوا (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الكلام كأنه قيل : فما ذا صنعوا هل سارعوا إلى الامتثال أم لا؟ فأجيب بذلك ، والاتخاذ كالتصيير ، والجعل يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، و (هُزُواً) مفعوله الثاني ولكونه مصدرا لا يصلح أن يكون مفعولا ثانيا لأنه خبر المبتدأ في الحقيقة وهو اسم ذات هنا فيقدر مضاف ـ كمكان ، أو أهل ـ أو يجعل بمعنى المهزوء به كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) [المائدة : ٩٦] أي مصيده أو يجعل الذات نفس المعنى مبالغة كرجل عدل ، وقد قالوا ذلك إما بعد أن أمرهم موسى عليهالسلام بذبح بقرة دون ذكر الاحياء بضربها ، وإما