(أل) فيها للحضور عند بعض ، وزائدة عند آخرين ، وبنيت لتضمنها معنى الإشارة أو لتضمنها معنى ـ أل ـ التعريفية ـ كسحر ـ وقرئ لان بالمد على الاستفهام التقريري إشارة إلى استبطائه وانتظارهم له.
وقرأ نافع بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وعنه روايتان حذف واو «قالوا» وإثباتها (فَذَبَحُوها) أي فطلبوا هذه البقرة الجامعة للأوصاف السابقة وحصلوها (فَذَبَحُوها) فالفاء فصيحة عاطفة على محذوف إذ لا يترتب الذبح على مجرد الأمر بالذبح ، وبيان صفتها وحذف لدلالة الذبح عليه ، وتحصيلها كان باشترائها من الشاب البار بأبويه كما تظافرت عليه أقوال أكثر المفسرين والقصة مشهورة ، وقيل : ـ كانت وحشية فأخذوها ، وقيل : لم تكن من بقر الدنيا بل أنزلها الله تعالى من السماء ـ وهو قول هابط إلى تخوم الأرض ، قيل : ووجه الحكمة في جعل البقرة آلة دون غيرها من البهائم أنهم كانوا يعبدون البقر والعجاجيل وحبب ذلك في قلوبهم ، لقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] ثم بعد ما تابوا أراد الله تعالى أن يمتحنهم بذبح ما حبب إليهم ليكون حقيقة لتوبتهم ، وقيل : ولعله ألطف وأولى إن الحكمة في هذا الأمر إظهار توبيخهم في عبادة العجل بأنكم كيف عبدتم ما هو في صورة البقرة مع أن الطبع لا يقبل أن يخلق الله تعالى فيه خاصية يحيا بها ميت بمعجزة نبي؟! وكيف قبلتم قول السامري إنه إلهكم وها أنتم لا تقبلون قول الله سبحانه : إنه يحيا بضرب لحمة منه الميت سبحان الله تعالى؟ هذا الخرق العظيم (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) كنى على الذبح بالفعل أي ـ وما كادوا يذبحون ـ واحتمال أن يكون المراد (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ما أمروا به بعد الذبح من ضرب بعضها على الميت بعيد ، و ـ كاد ـ موضوعة لدنو الخبر حصولا ولا يكون خبرها في المشهور إلا مضارعا دالا على الحال لتأكيد القرب ، واختلف فيها فقيل : هي في الإثبات نفي وفي النفي إثبات ، فمعنى ـ كاد زيد يخرج ـ قارب ولم يخرج وهو فاسد لأن معناها مقاربة الخروج ، وأما عدمه فأمر عقلي خارج عن المدلول ولو صح ما قاله لكان قارب ونحوه كذلك ولم يقل به أحد ، وقيل : هي في الإثبات إثبات وفي النفي الماضي إثبات وفي المستقبل على قياس الأفعال. وتمسك القائل بهذه الآية لأنه لو كان معنى (وَما كادُوا) هنا نفيا للفعل عنهم لناقض قوله تعالى : (فَذَبَحُوها) حيث دل على ثبوت الفعل لهم والحق إنها في الإثبات والنفي كسائر الأفعال ، فمثبتها لإثبات القرب ، ومنفيها لنفيه ، والنفي والإثبات في الآية محمولان على اختلاف الوقتين أو الاعتبارين فلا تناقض إذ من شرطه اتحاد الزمان والاعتبار ، والمعنى أنهم ما قاربوا ذبحها حتى انقطعت تعللاتهم فذبحوا كالملجأ أو فذبحوها ائتمارا (وَما كادُوا) من الذبح خوفا من الفضيحة أو استثقالا لعلو ثمنها حيث روي أنهم اشتروها بملء جلدها ذهبا ، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير ، واستشكل القول باختلاف الوقتين بأن الجملة حال من فاعل (فَذَبَحُوها) فيجب مقارنة مضمونها لمضمون العامل ، والجواب بأنهم صرحوا بأنه قد يقيد بالماضي فإن كان مثبتا قرن ـ بقد ـ لتقربه من الحال وإن كان منفيا ـ كما هنا ـ لم يقرن بها لأن الأصل استمرار النفي فيفيد المقاربة لا يجدي نفعا لأن عدم مقاربة الفعل لا يتصور مقارنتها له ، ولهذا عول بعض المتأخرين في الجواب على أن (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) كناية عن تعسر الفعل وثقله عليهم وهو مستمر باق ، وقد صرح في شرح التسهيل أنه قد يقول القائل ـ لم يكد زيد يفعل ـ ومراده أنه فعل بعسر لا بسهولة وهو خلاف الظاهر الذي وضع له اللفظ فافهم (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) أي شخصا أو ذا نفس ، ونسبة القتل إلى المخاطبين لوجوده فيهم على طريقة العرب في نسبة الأشياء إلى القبيلة إذا وجد من بعضها ما يذم به أو يمدح ، وقول بعضهم : ـ إنه لا يحسن إسناد فعل أو قول صدر عن البعض إلى الكل إلا إذا صدر عنه بمظاهرتهم أو رضا منهم ـ غير مسلم ، نعم لا بد لإسناده إلى الكل من نكتة ما ، ولعلها هنا الإشارة إلى أن الكل بحيث لا يبعد صدور القتل منهم لمزيد حرصهم وكثرة طمعهم وعظم جرأتهم.