أبي العالية وغيره لبني إسرائيل (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي إحياء القتيل ، وقيل : كلامه ، وقيل : ما سبق من الآيات التي علموها ـ كمسخهم قردة وخنازير ، ورفع الجبل ، وانبجاس الماء والإحياء ـ وإلى ذلك ذهب الزجاج ، وعليه تكون (ثُمَّ قَسَتْ) إلخ عطفا على مضمون جميع القصص السابقة والآيات المذكورة ، وعلى سابقه تكون عطفا على قصة (وَإِذْ قَتَلْتُمْ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) أي في القسوة وعدم التأثر والجمع لجمع القلوب وللإشارة إلى أنها متفاوتة في القسوة كما أن الحجارة متفاوتة في الصلابة ـ والكاف ـ للتشبيه وهي حرف عند سيبويه ، وجمهور النحويين والأخفش يدعي اسميتها وهي متعلقة هنا بمحذوف أي كائنة كالحجارة خلافا لابن عصفور إذ زعم أن كاف التشبيه لا تتعلق بشيء (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) أي من الحجارة فهي كالحديد مثلا أو كشيء لا يتأثر أصلا ولو وهما ، و (أَوْ) لتخيير المبالغ ويكون في التشبيه كما يكون بعد الأمر أو للتنويع أي بعض (كَالْحِجارَةِ) وبعض (أَشَدُّ) أو للترديد بمعنى تجويز الأمرين مع قطع النظر عن الغير على ما قيل ، أو بمعنى بل ويحتاج إلى تقدير مبتدأ إذا قلنا باختصاص ذلك بالجمل ، أو بمعنى الواو أو للشك وهو لاستحالته عليه تعالى يصرف إلى الغير والعلامة لا يرتضي ذلك لما أنه يؤدي إلى تجويز أن يكون معاني الحروف بالقياس إلى السامع ، وفيه إخراج للألفاظ عن أوضاعها فإنها إنما وضعت ليعبر بها المتكلم عما في ضميره ، والحق جواز اعتبار السامع في معاني الألفاظ عند امتناع جريها على الأصل بالنظر إلى المتكلم فلا بأس بأن يسلك ب (أَوْ) في الشك مسلك لعل في الترجي الواقع في كلامه تعالى فتلك جادة مسلوكة لأهل السنة وقد مرت الإشارة إلى ذلك فتذكر ، و (أَشَدُّ) عطف على (كَالْحِجارَةِ) من قبيل عطف المفرد على المفرد كما تقول : زيد على سفر أو مقيم ، وقدر بعضهم أو هي (أَشَدُّ) فيصير من عطف الجمل ، ومن الناس من يقدر مضافا محذوفا أي مثل ما هو أشد ، ويجعله معطوفا على الكاف إن كان اسما أو مجموع الجار والمجرور إذا كان حرفا ، ثم لما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه ، ولا يخفى أن اعتبار التشبيه في جانب المعطوف بدون عطفه على المجرور بالكاف مستبعد جدا ، وقرأ الأعمش (أَوْ أَشَدُّ) مجرورا بالفتحة لكونه غير منصرف للوصف ووزن الفعل وهو عطف على الحجارة واعتبار التشبيه حينئذ ظاهر وإنما لم يقل سبحانه وتعالى ـ أقسى ـ مع أن فعل القسوة مما يصاغ منه أفعل وهو أخصر ووارد في الفصيح كقوله :
كل خمصانة أرق من الخم |
|
ر بقلب (أقسى) من الجلمود |
لما في أشد من المبالغة لأنه يدل على الزيادة بجوهره وهيئته بخلاف أقسى فإن دلالته بالهيئة فقط ، وفيه دلالة على اشتداد القسوتين ولو كان أقسى لكان دالا على اشتراك القلوب والحجارة في القسوة ، واشتمال القلوب على زيادة القسوة لا في شدة القسوة وليس هذا مثل قولك زيد أشد إكراما من عمرو حيث ذكروا أن ليس معناه إلا أنهما مشتركان في الإكرام وإكرام زيد زيد على إكرام عمرو لا أنهما مشتركان في شدة الإكرام ، وشدة إكرام زيد زائدة على شدة إكرام عمرو للفرق بين ما بني للتوصل وما بني لغيره وما نحن فيه من الثاني وإن كان الأول أكثر. والاعتراض ـ بأن أشد محمول على القلوب دون القسوة ـ ليس بشيء لأنه محمول عليها بحسب المعنى لكونها تمييزا محولا عن الفاعل أو منقولا عن المبتدأ كما في البحر ، ويمكن أن يقال : إن الله تعالى أبرز القساوة في معرض العيوب الظاهرة تنبيها على أنها من العيوب بل العيب كل العيب ما صد عن عالم الغيب (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦].
(وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) تذييل لبيان تفضيل قلوبهم على الحجارة أو اعتراض بين قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) وبين الحال