عنها وهو (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) لبيان سبب ذلك فإنه لغرابته يحتاج إلى بيان السبب كما في قوله :
فلا هجرة يبدو وفي اليأس راحة |
|
ولا وصفه يصفو لنا (فنكارمه) |
وجعله جملة حالية مشعرة بالتعليل يأباه الذوق إذ لا معنى للتقييد ، وكونه بيانا وتقريرا من جهة المعنى لما تقدم ـ مع كونه بحسب اللفظ معطوفا على جملة ـ هي كالحجارة أو أشد ـ كما قاله العلامة ـ مما لا يظهر وجهه لأنه إذا كان بيانا في المعنى كيف يصح عطفه ويترك جعله بيانا ، والمعنى أن الحجارة تتأثر وتنفعل ، وقلوب هؤلاء لا تتأثر ولا تنفعل عن أمر الله تعالى أصلا ، وقد ترقى سبحانه في بيان التفضيل كأنه بين أو لا تفضيل قلوبهم في القساوة على الحجارة التي تتأثر تأثرا يترتب عليه منفعة عظيمة من تفجر الأنهار ، ثم على الحجارة التي تتأثر تأثرا ضعيفا يترتب عليه منفعة قليلة من خروج الماء ثم على الحجارة التي تتأثر من غير منفعة فكأنه قال سبحانه : قلوب هؤلاء أشد قسوة من الحجارة لأنها لا تتأثر بحيث يترتب عليه المنفعة العظيمة بل الحقيرة بل لا تتأثر أصلا ، وبما ذكر يظهر نكتة ذكر تفجر الأنهار وخروج الماء ، وترك فائدة الهبوط ، وذكر غير واحد أن الآية واردة على نهج التتميم دون الترقي ـ كالرحمن الرحيم ـ إذ لو أريد الترقي لقيل ـ وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يتفجر منه الأنهار ـ وفائدته استيعاب جميع الانفعالات التي على خلاف طبيعة هذا الجوهر ، وهو أبلغ من الترقي ، ويكون (وَإِنَّ مِنْها) الأخير تتميما للتتميم ، ولا يخفى أنه يرد عليه منع إفادته لاستيعاب جميع الانفعالات وخلوه عن لطافة ما ذكرناه ، و ـ التفجر ـ التفتح بسعة وكثرة كما يدل عليه جوهر الكلمة وبناء التفعل ، والمراد من الأنهار الماء الكثير الذي يجري في الأنهار ، والكلام إما على حذف المضاف ، أو ذكر المحل وإرادة الحال أو الإسناد مجازي ، قال بعض المحققين : وحملها على المعنى الحقيقي وهم إذ التفتح لا يمكن إسناده إلى الأنهار اللهم إلا بتضمين معنى الحصول بأن يقال : يتفجر ويحصل منه الأنهار على أن تفجير الحجارة بحيث تصير نهرا غير معتاد فضلا عن كونها أنهارا ، والتشقق التصدع بطول أو بعرض ، والخشية الخوف ، واختلف في المراد منها فذهب قوم ـ وهو المروي عن مجاهد وغيره ـ أنها هنا حقيقة ، وهي مضافة إلى الاسم الكريم من إضافة المصدر إلى مفعوله ـ أي من خشية الحجارة الله ـ ويجوز أن يخلق الله تعالى العقل والحياة في الحجر ، واعتدال المزاج والبنية ليسا شرطا في ذلك خلافا للمعتزلة ، وظواهر الآيات ناطقة بذلك ، وفي الصحيح «إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث» وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعد مبعثه ما مر بحجر ولا مدر إلا سلم عليه ، وورد في ـ الحجر الأسود ـ أنه يشهد لمن استلمه ، وحديث تسبيح الحصى بكفه الشريفصلىاللهعليهوسلم مشهور ، وقيل : هي حقيقة ، والإضافة هي الإضافة إلا أن الفاعل محذوف هو العباد ، والمعنى أن (مِنَ الْحِجارَةِ) ما ينزل بعضه عن بعض عند الزلزال من خشية عباد الله تعالى إياه ، وتحقيقه أنه لما كان المقصود منها خشية الله تعالى صارت تلك الخشية كالعلة المؤثرة في ذلك الهبوط فيؤول المعنى أنه يهبط من أجل أن يحصل خشية العباد الله تعالى.
وذهب أبو مسلم إلى أن الخشية حقيقة ، وأن الضمير في (مِنْها لَما يَهْبِطُ) عائد على القلوب ، والمعنى أن من القلوب قلوبا تطمئن وتسكن وترجع إلى الله تعالى ، وهي قلوب المخلصين ، فكني عن ذلك بالهبوط ، وقيل : إنها حقيقة إلا أن إضافتها من إضافة المصدر إلى الفاعل ، والمراد بالحجر البرد ، وبخشيته تعالى إخافته عباده بإنزاله وهذا القول أبرد من الثلج وما قبله أكثف من الحجر وما قبلهما بين بين وقال قوم : إن الخشية مجاز عن الانقياد لأمر الله تعالى إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم ، ولا ينبغي أن تحمل على حقيقتها ، أما على القول بأن اعتدال المزاج والبنية شرط وما ورد مما يقتضي خلافه محمول على أن الله تعالى قرن ملائكته بتلك الجمادات ، ومنها هاتيك الأفعال ونحو «هذا جبل يحبنا ونحبه» على حذف مضاف أي يحبنا أهله ونحب أهله فظاهر.