حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ)(٩٠)
(أَفَتَطْمَعُونَ) الاستفهام للاستبعاد أو للإنكار التوبيخي ، والجملة قيل : معطوفة على قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ) أو على مقدر بين ـ الهمزة والفاء ـ عند غير سيبويه ، أي تحسبون أن قلوبكم صالحة للإيمان فتطمعون ـ والطمع ـ تعلق النفس بإدراك مطلوب تعلقا قويا ـ وهو أشد من الرجاء لا يحدث إلا عن قوة رغبة وشدة إرادة ـ والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : والمؤمنين ـ أو للمؤمنين ـ قاله أبو العالية وقتادة ، أو للأنصار ـ قاله النقاش ـ والمروي عن ابن عباس ومقاتل أنه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة ، والجمع للتعظيم (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) أي يصدقوا مستجيبين لكم ، فالإيمان بالمعنى اللغوي والتعدية ـ باللام ـ للتضمين كما في قوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) [العنكبوت : ٢٦] ويؤمنوا لأجل دعوتكم لهم فالفعل ـ منزل منزلة اللازم ـ والمراد بالإيمان المعنى الشرعي ـ واللام لام الأجل ـ وعلى التقديرين (أَنْ يُؤْمِنُوا) معمول لتطمعون على إسقاط حرف الجر وهو في موضع نصب عند سيبويه ، وجر عند الخليل والكسائي ، وضمير الغيبة لليهود المعاصرين له صلىاللهعليهوسلم : لأنهم المطموع في إيمانهم ، وقيل : المراد جنس اليهود ليصح جعل طائفة منهم مطموع الإيمان وطائفة محرفين وفيه ما لا يخفى.
(وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي طائفة من أسلافهم وهم الأحبار (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) أي يسمعون التوراة ويؤولونها تأويلا فاسدا حسب أغراضهم ، وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والجمهور على أن تحريفها بتبديل كلام من تلقائهم ـ كما فعلوا ذلك في نعته صلى الله تعالى عليه وسلم ـ فإنه روي أن من صفاته فيها