لوجب أن يجعل سماعهم من تمام الشرط ، ولأن فيه زيادة تشنيع لهم على ما أوتوا من السكوت ثم العتاب (قالُوا) أي أولئك البعض الخالي موبخين لمنافقيهم على ما صنعوا بحضرتهم.
(أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي تخبرون المؤمنين بما بينه الله تعالى لكم خاصة من نعت نبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أو من أخذ العهود على أنبيائكم بتصديقه صلى الله تعالى عليه وسلم ونصرته ، والتعبير عنه ـ بالفتح ـ للإيذان بأنه سر مكتوم وباب مغلق ، وفي الآية إشارة إلى أنهم لم يكتفوا بقولهم : (آمَنَّا) بل عللوه بما ذكر ، وإنما لم يصرح به تعويلا على شهادة التوبيخ ، ومن الناس من حوّز كون هذا التوبيخ من جهة المنافقين لأعقابهم وبقاياهم الذين لم ينافقوا ، وحينئذ يكون البعض الذي هو فاعل (خَلا) عبارة عن المنافقين ، وفيه وضع المظهر موضع المضمر تكثيرا للمعنى ـ والاستفهام إنكار ـ ونهى عن التحديث في الزمان المستقبل وليس بشيء ـ وإن جل قائله ـ اللهم إلا أن يكون فيه رواية صحيحة ، ودون ذلك خرط القتاد.
(لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ) متعلق بالتحديث دون الفتح خلافا لمن تكلف له ، والمراد تأكيد النكير وتشديد التوبيخ ، فإن التحديث ـ وإن كان منكرا في نفسه ـ لكنه لهذا الغرض مما لا يكاد يصدر عن العاقل ، والمفاعلة هنا غير مرادة ، والمراد ليحتجوا به عليكم ، إلا أنه إنما أتى بها للمبالغة ، وذكر ابن تمجيد أنه لو ذهب أحد إلى المشاركة بين المحتج والمحتج عليه بأن يكون من جانب احتجاج ومن جانب آخر سماع لكان له وجه ـ كما في بايعت زيدا ـ وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر. واللام ـ هذه لام كي ـ والنصب بأن مضمرة بعدها أو بها ، وهي مفيدة للتعليل ـ ولعله هنا مجاز ـ لأن المحدثين لم يحوموا حول ذلك الغرض ، لكن فعلهم ذلك ـ لما كان مستتبعا له البتة ـ جعلوا كأنهم فاعلون له إظهارا لكمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم ، وضمير (بِهِ) راجع إلى (بِما فَتَحَ اللهُ) على ما يقتضيه الظاهر (عِنْدَ رَبِّكُمْ) أي في كتابه وحكمه ـ وهو عند عصابة ـ بدل من (بِهِ) ، ومعنى كونه بدلا منه أن عامله الذي هو نائب عنه بدل منه إما بدل الكل إن قدر صيغة اسم الفاعل أو بدل اشتمال إن قدر مصدرا ، وفائدته بيان جهة الاحتجاج بما فتح الله تعالى ، فإن الاحتجاج به يتصور على وجوه شتى ، كأنه قيل : (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ) بكونه في كتابه ، أي يقولوا : إنه مذكور في كتابه الذي آمنتم به ، وبما ذكر يظهر وجه الجمع بين قوله تعالى : (بِهِ) أي (بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) وقوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّكُمْ) واندفع ما قيل لا يصح جعله بدلا لوجوب اتحاد البدل والمبدل منه في الإعراب ، وهاهنا ليس كذلك لكون الثاني ظرفا والأول مفعولا به بالواسطة ، وقيل : المعنى بما عند ربكم فيكون الظرف حالا من ضمير (بِهِ) وفائدته التصريح بكون الاحتجاج بأمر ثابت عنده تعالى وإن كان ذلك مستفادا من كونه بما فتح الله تعالى ، وقيل : عند ذكر ربكم ، فالكلام على حذف مضاف ، والمراد من الذكر «الكتاب» وجعل المحاجة بما فتح الله تعالى باعتبار أنه في الكتاب محاجة عنده توسعا وهذه الأقوال مبنية على أن المراد بالمحاجة في الدنيا وهو ظاهر لأنها دار المحاجة والتأويل في قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّكُمْ) وقيل : عند ربكم على ظاهره ـ والمحاجة يوم القيامة ـ واعترض بأن الإخفاء لا يدفع هذه المحاجة لأنه إما لأجل أن لا يطلع المؤمنون على ما يحتجون به ـ وهو حاصل لهم بالوحي ـ أو ليكون للمحتج عليهم طريق إلى الإنكار ، وذا لا يمكن عنده تعالى يوم القيامة ولا يظن بأهل الكتاب أنهم يعتقدون أن إخفاء ما في الكتاب في الدنيا يدفع المحاجة بكونه فيه في العقبى لأنه اعتقاد منهم بأنه تعالى لا يعلم ما أنزل في كتابه وهم برآء منه ، والقول بأن المراد (لِيُحَاجُّوكُمْ) يوم القيامة وعند المسائل ، فيكون زائدا في ظهور فضيحتكم وتوبيخكم على رءوس الأشهاد في الموقف العظيم ، فكان القوم يعتقدون أن ظهور ذلك في الدنيا يزيد ذلك في الآخرة للفرق بين من اعترف وكتم ، وبين من ثبت على الإنكار ، أو بأن المحاجة بأنكم بلغتم وخالفتم ـ تندفع بالإخفاء ـ يرد عليه أن