حق وغيره باطل فأجيبوا بالقصر القلبي ـ أي دين الله تعالى هو الحق ودينكم هو الباطل ، و (هُدَى اللهِ) تعالى الذي هو الإسلام هو الهدى وما يدعون إليه ليس بهدى بل هوى ـ على أبلغ وجه لإضافة الهدى إليه تعالى وتأكيده (إِنَ) وإعادة الهدى في الخبر على حد شعري شعري ، وجعله نفس (الْهُدى) المصدري وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخبر ، ويحتمل أنهم قالوا ذلك فيما بينهم ، والأمر بهذا القول لهم لا يجب أن يكون جوابا لعين تلك العبارة بل جواب ورد لما يستلزم مضمونها أو يلزمه من الدعوة إلى اليهودية أو النصرانية وأن الاهتداء فيهما ؛ وقيل : يصح أن يكون لإقناطهم عما يتمنونه ويطمعونه وليس بجواب (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) أي آراءهم الزائغة المنحرفة عن الحق الصادرة عنهم بتبعية شهوات أنفسهم وهي التي عبر عنها فيما قبل ـ بالملة ـ وكان الظاهر ـ ولئن اتبعتها ـ إلا أنه غير النظم ووضع الظاهر موضع المضمر من غير لفظه إيذانا بأنهم غيروا ما شرعه الله سبحانه تغييرا أخرجوه به عن موضوعه ، وفي صيغة الجمع إشارة إلى كثرة الاختلاف بينهم وأن بعضهم يكفر بعضا.
(بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي المعلوم وهو الوحي أو الدين لأنه الذي يتصف بالمجيء دون العلم نفسه ولك أن تفسر المجيء بالحصول فيجري العلم على ظاهره (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) جواب للقسم الدال عليه اللام الموطئة ولو أجيب به الشرط هنا لوجبت الفاء ، وقيل : إنه جواب له ويحتاج إلى تقدير القسم مؤخرا عن الشرط وتأويل الجملة الاسمية بالفعلية الاستقبالية أي ما يكون لك وهو تعسف إذ لم يقل أحد من النحاة بتقدير القسم مؤخرا مع اللام الموطئة ، وتأويل الاسمية بالفعلية لا دليل عليه ، وقيل : إنه جواب لكلا الأمرين القسم الدال عليه اللام ، وإن الشرطية لأحدهما لفظا وللآخر معنى وهو كما ترى ، والخطاب أيضا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وتقييد الشرط بما قيد للدلالة على أن متابعة أهوائهم محال لأنه خلاف ما علم صحته فلو فرض وقوعه كما يفرض المحال لم يكن له ولي ولا نصير يدفع عنه العذاب ، وفيه أيضا من المبالغة في الاقناط ما لا يخفى ، وقيل : الخطاب هناك وهنا وإن كان ظاهرا للنبي صلىاللهعليهوسلم إلا أن المقصود منه أمته ، وأنت تعلم مما ذكرنا أنه لا يحتاج إلى التزام ذلك (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) اعتراض لبيان حال مؤمني أهل الكتاب بعد ذكر أحوال كفرتهم ولم يعطف تنبيها على كمال التباين بين الفريقين والآية نازلة فيهم وهم المقصودون منها سواء أريد بالموصول الجنس أو العهد على ما قيل : إنهم الأربعون الذين قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب اثنان وثلاثون منهم من اليمن وثمانية من علماء الشام (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) أي يقرءونه حق قراءته وهي قراءة تأخذ بمجامع القلب فيراعى فيها ضبط اللفظ والتأمل في المعنى وحق الأمر والنهي ، والجملة حال مقدرة أي آتيناهم الكتاب مقدرا تلاوتهم لأنهم لم يكونوا تالين وقت الإيتاء وهذه الحال مخصصة لأنه ليس كل من أوتيه يتلوه ، و (حَقَ) منصوب على المصدرية لإضافته إلى المصدر ، وجوز أن يكون وصفا لمصدر محذوف وأن يكون حالا أي محقين والخبر قوله تعالى : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) ويحتمل أن يكون (يَتْلُونَهُ) خبرا لا حالا ، (أُولئِكَ) إلخ خبرا بعد خبر أو جملة مستأنفة ، وعلى أول الاحتمالين يكون الموصول للجنس ، وعلى ثانيهما يكون للعهد أي مؤمنو أهل الكتاب ، وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي للحصر والتعريض ، والضمير للكتاب أي ـ أولئك يؤمنون بكتابهم ـ دون المحرفين فإنهم غير مؤمنين به ، ومن هنا يظهر فائدة الاخبار على الوجه الأخير ، ولك أن تقول محط الفائدة ما يلزم الإيمان به من الربح بقرينة ما يأتي ، ومن الناس من حمل الموصول على أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإليه ذهب عكرمة وقتادة ، فالمراد من (الْكِتابَ) حينئذ القرآن ، ومنهم من حمله على الأنبياء والمرسلين عليهمالسلام ، وإليه ذهب ابن كيسان ، فالمراد من (الْكِتابَ) حينئذ الجنس ليشمل الكتب المتفرقة ، ومنهم من قال بما قلنا إلا أنه جوز عود ضمير (بِهِ) إلى (الْهُدى) أو إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو إلى الله