يلعنهم ، وقيل إن (لَعْنَةُ) مصدر مضاف إلى فاعله والمرفوع معطوف على محله ، وقد أتبعت العرب فاعل المصدر على محله رفعا كقوله :
* مشى الهلوك عليها الخيعل «الفضل» * برفع الفضل وهو صفة للهلوك على الموضع ، وإذا ثبت في النعت جاز في العطف إذ لا فارق بينهما ، وادعى أبو حيان عدم الجواز لأن شرط العطف على الموضع أن يكون ثمت طالب ومحرز للموضع لا يتغير ، وأيضا (لَعْنَةُ) وإن سلم مصدريته فهو إنما يعمل إذا انحل ـ لأن ، والفعل ـ وهنا المقصود الثبوت فلا يصح انحلاله لهما وسلمه له غيره ، وقالوا : إنه مذهب سيبويه (خالِدِينَ فِيها) أي في اللعنة ، وهو يؤكد ما تفيده اسمية الجملة من الثبات ، وجوز رجوع الضمير إلى النار والإضمار قبل الذكر يدل على حضورها في الذهن المشعر بالاعتناء المفضي إلى التفخيم والتهويل ، وقيل : إن اللعن يدل عليها إذ استقرار الطرد عن الرحمة يستلزم الخلود في النار خارجا وذهنا ، والموت على الكفر وإن استلزم ذلك خارجا لكنه لا يستلزمه ذهنا فلا يدل عليه ، و (خالِدِينَ) على كلا التقديرين في المرجع حال مقارن لاستقرار اللعنة لا كما قيل : إنه على الثاني حال مقدرة (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) إما مستأنف لبيان كثرة عذابهم من حيث الكيف إثر بيانه كثرته من حيث الكم ، وإما حال من ضمير عليهم أيضا أو من ضمير (خالِدِينَ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) عطف على ما قبله جار فيه ما جرى فيه ، وإيثار الجملة الاسمية لإفادة دوام النفي واستمراره ، والفعل إما من الإنظار بمعنى التأخير ـ أي لا يمهلون ـ عن العذاب ولا يؤخرون عنه ساعة. وإما من النظر بمعنى الانتظار أي ـ لا ينتظرون ـ ليعتذروا ، وإما من النظر بمعنى الرؤية أي ـ لا ينظر الله تعالى إليهم نظر رحمة ـ والنظر بهذا المعنى يتعدى بنفسه أيضا كما في الأساس فيصاغ منه المجهول. (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) نزلت كما روي عن ابن عباس لما قال كفار قريش للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : صف لنا ربك ، والخطاب عام لكل من يصح أن يخاطب كما هو الظاهر غير مختص بشأن النزول ، والجملة معطوفة على (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) عطف القصة على القصة ، والجامع أن الأولى مسوقة لإثبات نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهذه لإثبات وحدانيته تعالى ، وقيل : الخطاب للكاتمين ، وفيه انتقال عن زجرهم عما يعاملون رسولهم إلى زجرهم عن معاملتهم ربهم حيث يكتمون وحدانيته ، ويقولون : عزير ، وعيسى ـ ابنان لله عزوجل ، وفيه أنه وإن حسن الانتظام إلا أنه فيه خروج شأن النزول عن الآية ـ وهو باطل ـ وإضافة ـ إله ـ إلى ضمير المخاطبين باعتبار الاستحقاق لا باعتبار الوقوع فإن الآلهة الغير المستحقة كثيرة ، وإعادة لفظ ـ إله ـ وتوصيفه بالوحدة لإفادة أن المعتبر الوحدة في الألوهية ، واستحقاق العبادة ، ولو لا ذلك لكفي ـ وإلهكم واحد ـ فهو بمنزلة وصفهم الرجل ـ بأنه سيد واحد ، وعالم واحد ـ وقال أبو البقاء : إله ـ خبر المبتدأ ، و (واحِدٌ) صفة له ، والغرض هنا هو الصفة إذ لو قال : ـ وإلهكم واحد ـ لكان هو المقصود إلا أن في ذكره زيادة تأكيد ، وهذا يشبه الحال الموطئة كقولك : مررت بزيد رجلا صالحا ، وكقولك في الخبر : زيد شخص صالح ، ولعل الأول ألطف ، وأكثر الناس على أن الواحد هنا بمعنى لا نظير له ولا شبيه في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وقيل : إن المراد به ما ليس بذي أبعاض ولا يجوز عليه الانقسام ولا يحتمل التجزئة أصلا ، وليس المعنى به هنا مبدأ العدد ، وأصح الأقوال عند ذوي العقول السليمة أنه الذي لا نظير له ولا شبيه له في استحقاق العبادة ، وهو مستلزم لكل كمال آب عما فيه أدنى وصمة وإخلال (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) خبر ثان للمبتدإ أو صفة أخرى للخبر أو جملة معترضة لا محل لها من الإعراب ، وعلى أي تقدير هو مقرر للوحدانية ، ومزيح ـ على ما قيل ـ لما عسى أن يتوهم أن في الوجود إلها لكن لا يستحق العبادة ، والضمير المرفوع على الصحيح بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف فهو بدل مرفوع من ضمير مرفوع ، وقد اختلف في المنفي هل المعبود بحق أو المعبود بباطل ، فقال محمد الشيشيني : النفي إنما تسلط