أي أظهروا ما بينه الله تعالى للناس معاينة وبهذين الأمرين تتم التوبة ، وقيل : أظهروا ما أحدثوه من التوبة ليمحوا سمة الكفر عن أنفسهم ويقتدي بهم أضرابهم فإن إظهار التوبة ممن يقتدي به شرط فيها على ما يشير إليه بعض الآثار ، وفيه إن الصحيح أن إظهار التوبة إنما هو لدفع معصية المتابعة وليس شرطا في التوبة عن أصل المعصية فهو داخل في قوله تعالى : (وَأَصْلَحُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) بالقبول وإفاضة المغفرة والرحمة (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) عطف على ما قبله تذييل له والالتفات إلى التكلم للافتنان مع ما فيه من الرمز إلى اختلاف مبدأ فعليه السابق واللاحق (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) الموصول للعهد كما هو الأصل ، والمراد به الذين كتموا وعبر عن الكتمان بالكفر نعيا عليهم به ، والجملة عديلة لما فيها (إِلَّا) ولم تعطف عليها إشارة إلى كمال التباين بين الفريقين ، والآية مشتملة على الجمع والتفريق جمع الكاتمين في حكم واحد وهو أنهم ملعونون ثم فرق فقال : أما الذين تابوا فقد تاب الله تعالى عليهم وأزال عنهم عقوبة اللعنة ، وأما الذين ماتوا على الكتمان ولم يتوبوا عنه فقد استقرت عليهم اللعنة ولم تزل عنهم. وأورد كلمة الاستثناء في الجملة الأولى مع أنه ليس للإخراج عن الحكم السابق بل هو بمعنى لكن للدلالة على أن التوبة صارت مكفرة للعن عنهم فكأنهم لم يباشروا ولم يدخلوا تحته ـ قاله بعض المحققين ـ وفيه ارتكاب خلاف الظاهر في الاستثناء ولهذا قال البعض إن المراد بالجملة المستثنى منها بيان دوام اللعن واستمراره وعليه يدور الاستثناء المتصل ، وجملة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلخ مستأنفة سيقت لتحقيق بقاء اللعن فيما وراء الاستثناء وتأكيد دوامه واستمراره على غير التائبين والاقتصار على ذكر الكفر في الصلة من غير تعرض لعدم التوبة والإصلاح والتبيين مبني على أن وجود الكفر مستلزم لعدمها جميعها كما أن وجودها مستلزم للإيمان الموجب لعدم الكفر ، ولذا لم يصرح بالإيمان في صفات التائبين ، والفرق بين الدوامين أن الأول تجددي ، والثاني ثبوتي ـ ولا يخفى أن هذا أوفق بظاهر اللفظ ـ وما ذكره بعض المحققين أجزل معنى وأعلى كعبا وأدق نظرا ، وقيل : الموصول عام للذين كتموا وغيرهم كما يقتضيه ظاهر الصلة ، والآية من باب التذييل فيدخل الكاتمون الذين ماتوا على الكتمان دخولا أوليا ، واعترض بأن تقييد الوعيد بعدم التخفيف أعدل شاهد على أن الآية في شأن الكاتمين الذين ماتوا على ذلك لأنهم أشد الكفرة وأخبثهم فإن الوعيد في حق الكفرة مطلق الخلود في النار ، وأنت تعلم أن هذا في حيز المنع بل ما من كافر جهنمي إلا وحاله يوم القيامة طبق ما ذكر في الآية ولا أظنك في مرية من ذلك بعد سماع قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [الزخرف : ٧٥] فلا يبعد القول بحسن هذا القيل ـ وإليه ذهب الإمام ـ وكلام الطيبي يشير إلى حسنه وطيبه فتدبر.
(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) المراد استمرار ذلك ودوامه فهذا الحكم غير ما سبق إذ المراد منه حدوث اللعنة ووقوعها عليهم وليس المقصود من ذكر ـ الملائكة والناس ـ التخصيص لينافي العموم السابق ولا العموم ليرد خروج المهيمين الذين لا شعور لهم بذواتهم وكثير من الأتقياء الذين لا يلعنون أحدا بل المقصود أنه يلعنهم هؤلاء المتعدون من خلقه و (أَجْمَعِينَ) تأكيد بالنسبة إلى الكل لا للناس فقط ، والمراد بهم المؤمنون لأنهم المعتدّون منهم ، والكفار كالإنعام لأنه لا يحسم مادة الإشكال ، وقيل : إنه باق على عمومه والكفار يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة ، أو الجملة مساقة للإخبار باستحقاق أولئك اللعن من العموم لا بوقوعه بالفعل ولم يكرر اللعنة هنا كما كرر الفعل قبل اكتفاء به وافتنانا في النظم الكريم ومناسبة لما يشعر به التأكيد. وقرأ الحسن ـ والملائكة والناس أجمعون ـ بالرفع ، وخرج على وجوه ، فقيل : عطف على (لَعْنَةُ) بتقدير لعنة الله ولعنة الملائكة فحذف المضاف من الثاني وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقيل : مبتدأ محذوف الخبر أي ـ والملائكة ، والناس يلعنونهم ـ أو فاعل لفعل محذوف أي