عبده ثم أعتقه بنفسه فإنه بذلك انتهى حكم الوكالة ، وإلى ذلك تشير الأحاديث لما أن ـ الفاء ـ تدل على سببية ما قبلها لما بعدها فما قيل : إن من أن آية المواريث لا تعارض هذا الحكم بل تحققه من حيث تدل على تقديم الوصية مطلقا ، والأحاديث من الآحاد وتلقي الأمة لها بالقبول لا تلحقها بالمتواتر ، ولعله احترز عن النسخ من فسر الوصية بما أوصى به الله عزوجل من توريث الوالدين والأقربين بقوله سبحانه (يُوصِيكُمُ اللهُ) أو بإيصاء المحتضر لهم بتوفير ما أوصى به الله تعالى عليهم على ما فيه بمعزل عن التحقيق وكذا ما قيل : من أن الوصية للوارث كانت واجبة بهذه الآية من غير تعيين لأنصبائهم فلما نزلت آية المواريث بيانا للأنصباء بلفظ الإيصاء فهم منها بتنبيه النبي صلىاللهعليهوسلم أن المراد منه هذه الوصية التي كانت واجبة كأنه قيل : إن الله تعالى أوصى بنفسه تلك الوصية ولم يفوضها إليكم فقام الميراث مقام الوصية فكان هذا معنى النسخ لا أن فيها دلالة على رفع ذلك الحكم لأن كون آية المواريث رافعة لذلك الحكم مبينة لانتهائه مما لا ينبغي أن يشتبه على أحد ، ثم إن القائلين بالنسخ اختلفوا ، فمنهم من قال : إن وجوبها صار منسوخا في حق الأقارب الذين يرثون وبقي في حق الذين لا يرثون من الوالدين والأقربين كأن يكونوا كافرين ، وإليه ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنه ، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية ، ومنهم من قال : إن الوجوب صار منسوخا في حق الكافة ، وهي مستحبة في حق الذين لا يرثون ؛ وإليه ذهب الأكثرون ، واستدل محمد بن الحسن بالآية على أن مطلق الأقربين لا يتناول الوالدين لعطفه عليه (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) مصدر مؤكد للحدث الذي دل عليه (كُتِبَ) وعامله إما (كُتِبَ) أو حق محذوفا أي حق ذلك حقا فهو على طرز قعدت جلوسا ، ويحتمل أن يكون مؤكدا لمضمون جملة (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) وإن اعتبر إنشاء فيكون على طرز ـ له عليّ ألف ـ عرفا ، وجعله صفة لمصدر محذوف أي إيصاء حقا ليس بشيء وعلى التقديرين (عَلَى الْمُتَّقِينَ) صفة له أو متعلق بالفعل المحذوف على المختار ، ويجوز أن يتعلق بالمصدر لأن المفعول المطلق يعمل نيابة عن الفعل ، والمراد ـ بالمتقين ـ المؤمنون ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن المحافظة على الوصية والقيام بها من شعائر المتقين الخائفين من الله تعالى.
(فَمَنْ بَدَّلَهُ) أي غير الإيصاء من شاهد ووصي ، وتغيير كل منهما إما بإنكار الوصية من أصلها أو بالنقص فيها أو بتبديل صفتها أو غير ذلك ، وجعل الشافعية من التبديل عموم وصيته من أوصى إليه بشيء خاص ، فالموصي بشيء خاص لا يكون وصيا في غيره عندهم ويكون عندنا وليس ذلك من التبديل في شيء (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) أي علمه وتحقق لديه ، وكني بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله (فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) أي فما إثم الإيصاء المبدل أو التبديل ، والأول رعاية لجانب اللفظ ، والثاني رعاية لجانب المعنى إلا على مبدليه لا على الموصي لأنهم الذين خالفوا الشرع وخانوا ، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على علية التبديل للإثم ، وإيثار صيغة الجمع مراعاة لمعنى من ، وفيه إشعار بشمول الإثم لجميع الافراد (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فيسمع أقوال المبدلين والموصين ويعلم بنياتهم فيجازيهم على وفقها ، وفي هذا وعيد للمبدلين ووعد للموصين ، واستدل بالآية على أن الفرض يسقط عن الموصي بنفس الوصية ولا يلحقه ضرر إن لم يعمل بها ، وعلى أن من كان عليه دين فأوصى بقضائه يسلم من تبعته في الآخرة وإن ترك الوصي والوارث قضاءه ـ وإلى ذلك ذهب الكيا ـ والذي يميل القلب إليه أن المديون لا تبعة عليه بعد الموت مطلقا ولا يحبس في قبره ـ كما يقوله الناس ـ أما إذا لم يترك شيئا ومات معسرا فظاهر لأنه لو بقي حيا لا شيء عليه بعد تحقق إعساره سوى نظرة إلى ميسرة ، فمؤاخذته وحبسه في قبره بعد ذهابه إلى اللطيف الخبير مما لا يكاد يعقل ، وأما إذا ترك شيئا وعلم الوارث بالدين أو برهن عليه به كان هو المطالب بأدائه والملزم بوفاته فإذا لم يؤد ولم