تعالى عنهم ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها أربعة أيام بضم يوم النحر إليها ، واستدل بعضهم للتخصيص بأن هذه الجملة معطوفة على قوله سبحانه (فَاذْكُرُوا اللهَ) إلخ فكأنه قيل فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله في أيام معدودات ، والفاء للتعقيب فاقتضى ذلك إخراج يوم النحر من الأيام ، ومن اعتبر العطف والتعقيب وجعل بعض يوم يوما استدل بالآية على ابتداء التكبير خلف الصلاة من ظهر يوم النحر ، واستدل بعمومها من قال : يكبر خلف النوافل واستشكل وصف أيام بمعدودات لأن أياما جمع يوم وهو مذكر ، و (مَعْدُوداتٍ) واحدها معدودة وهو مؤنث فكيف تقع صفة له فالظاهر معدودة ووصف جمع ما لا يعقل بالمفرد المؤنث جائز ، وأجيب بأن معدودات جمع معدود لا معدودة ، وكثيرا ما يجمع المذكر جمع المؤنث كحمامات وسجلات ، وقيل : إنه قدر اليوم مؤنثا باعتبار ساعاته ، وقيل : إن المعنى أنها في كل سنة معدودة ، وفي السنين معدودات فهي جمع معدودة حقيقة ولا يخفى ما فيه (فَمَنْ تَعَجَّلَ) أي عجل في النفر أو استعجل النفر من منى ، وقد ذكر غير واحد أن عجل واستعجل يجيئان مطوعين بمعنى عجل يقال : تعجل في الأمر واستعجل ، ومتعديين يقال : تعجل الذهاب ، والمطاوعة عند الزمخشري أوفق لقوله تعالى : (وَمَنْ تَأَخَّرَ) كما هي كذلك في قوله :
قد يدرك المتأني بعض حاجته |
|
وقد يكون من «المستعجل» الزلل |
لأجل المتأني ، وذهب بعض أرباب التحقيق إلى ترجيح التعدي لأن المراد بيان أمور ـ العجل ـ لا التعجل مطلقا ، وقيل : لأن اللازم يستدعي تقدير (فِي) فيلزم تعلق حرفي جر أحدهما المقدر والثاني (فِي يَوْمَيْنِ) بالفعل وذا لا يجوز ـ واليومان ـ يوم القر. ويوم الرءوس. واليوم الذي بعده. والمراد فمن نفر في ثاني أيام التشريق قبل الغروب ـ وبعد رمي الجمار عند الشافعية ـ وقبل طلوع الفجر من اليوم الثالث إذا فرغ من رمي الجمار عندنا ـ والنفر في أول يوم منها لا يجوز ـ فظرفية «اليومين» له على التوسع باعتبار أن الاستعداد له في اليوم الأول ، والقول بأن التقدير في أحد (يَوْمَيْنِ) إلا أنه مجمل فسر باليوم الثاني ، أو في آخر (يَوْمَيْنِ) خروج عن مذاق النظر (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) باستعجاله (وَمَنْ تَأَخَّرَ) في النفر حتى رمى في اليوم الثالث قبل الزوال أو بعده عندنا ، وعند الشافعي بعده فقط (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بما صنع من التأخر ، والمراد التخيير بين ـ التعجل والتأخر ـ ولا يقدح فيه أفضلية الثاني خلافا لصاحب ـ الإنصاف ـ وإنما ورد ـ بنفي الإثم ـ تصريحا بالرد على أهل الجاهلية حيث كانوا مختلفين فيه ، فمن مؤثم للمعجل ، ومؤثم للمتأخر (لِمَنِ اتَّقى) خبر لمحذوف ـ واللام ـ إما للتعليل أو للاختصاص ، أي ذلك التخيير المذكور بقرينة القرب لأجل ـ المتقي ـ لئلا يتضرر بترك ما يقصده من ـ التعجيل والتأخر ـ لأنه حذر متحرز عما يريبه ، أو ذلك المذكور من أحكام الحج مطلقا نظرا إلى عدم المخصص القطعي ، وإن كانت عامة لجميع المؤمنين مختصة ـ بالمتقي ـ لأنه الحاج على الحقيقة ، والمنتفع بها ، والمراد من ـ التقوى ـ على التقديرين التجنب عما يؤثم من ـ فعل أو ترك ـ ولا يجوز حملها على التجنب عن الشرك لأن الخطاب في جميع ما سبق للمؤمنين ، واستدل بعضهم بالآية على أن الحاج إذا اتقى في أداء حدود الحج وفرائضه غفرت له ذنوبه كلها ، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وأخرج ابن جرير عنه أنه فسر الآية بذلك ثم قال : إن الناس يتأولونها على غير تأويلها ، وهو من الغرابة بمكان.
(وَاتَّقُوا اللهَ) في جميع أموركم التي يتعلق بها العزم لتنتظموا في سلك المغتنمين بالأحكام المذكورة ، أو احذروا الإخلال بما ذكر من أمور الحج (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) للجزاء على أعمالكم بعد الإحياء والبعث ، وأصل ـ الحشر ـ الجمع وضم المفرق وهو تأكيد للأمر بالتقوى وموجب للامتثال به ، فإن من علم بالحشر والمحاسبة والجزاء كان ذلك من أقوى الدواعي له إلى ملازمة التقوى ، وقدم إليه للاعتناء بمن يكون الحشر إليه ولتواخي الفواصل