الناس. وذهب مسروق إلى أن «اللغو» هو الحلف على المعاصي وبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة وروي عن ابن عباس وطاوس أنه اليمين في حال الغضب فلا كفارة فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله تعالى عليك بأن تقول : مالي علي حرام إن فعلت كذا مثلا ـ وبهذا أخذ مالك إلا في الزوجة ـ وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال : هو كقول الرجل : أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا ، وكقوله : هو مشرك ، هو كافر إن لم يفعل كذا ، فلا يؤاخذ به حتى يكون من قلبه ، وقيل : لغو اليمين يمين المكره ـ حكاه ابن الفرس ولم ير مسندا ـ هذا ولم يعطف قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ) الآية على ما قبله لاختلافها خبرا وإنشاء ، وإن كانا متشاركين في كون كل منهما بيانا لحكم الأيمان (وَاللهُ غَفُورٌ) حيث لم يؤاخذكم باللغو (حَلِيمٌ) حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجد ؛ والجملة تذييل للجملتين السابقتين ، وفائدته الامتنان على المؤمنين وشمول الإحسان لهم و «الحليم» من حلم بالضم يحلم إذا أمهل بتأخير العقاب ، وأصل «الحلم» الأناة ، وأما حلم الأديم ـ فبالكسر يحلم بالفتح ـ إذا فسد ، وأما حلم أي رأى في نومه ـ فبالفتح ـ ومصدر الأول ـ الحلم ـ بالكسر ومصدر الثاني ـ الحلم ـ بفتح اللام ومصدر الثالث ـ الحلم ـ بضم الحاء مع ضم اللام وسكونها (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) الإيلاء ـ كما قال الراغب ـ الحلف الذي يقتضي النقيصة في الأمر الذي يحلف فيه من قوله تعالى : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) [آل عمران : ١١٨] أي باطلا (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) [النور : ٢٢] وصار في الشرع عبارة عن الحلف المانع عن جماع المرأة ، ف (يُؤْلُونَ) أي يحلفون ، و (مِنْ نِسائِهِمْ) على حذف المضاف ، أو من إقامة العين مقام الفعل المقصود منه للمبالغة ، وعدي القسم على المجامعة ب (مِنْ) لتضمنه معنى البعد ، فكأنه قيل : يبعدون (مِنْ نِسائِهِمْ) مولين ، وقيل : إن هذا الفعل يتعدى ب «من» وعلى ، ونقل أبو البقاء عن بعضهم من أهل اللغة تعديته ب (مِنْ) وقيل : بها بمعنى على ، وقيل : بمعنى في ، وقيل : زائدة ، وجوّز جعل الجار ظرفا مستقرا ، أي استقرّ لهم (مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) وقرأ «ألوا من نسائهم» وفي مصحف أبيّ «للذين يقسمون» وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ والتربص ـ الانتظار والتوقف وأضيف إلى الظرف على الاتساع ـ وإجراء المفعول فيه مجرى المفعول به ، والمعنى على الظرفية وهو مبتدأ ما قبله خبره أو فاعل للظرف ـ على ما ذهب إليه الأخفش من جواز عمله وإن لم يعتمد ـ والجملة ـ على التقديرين ـ بمنزلة الاستثناء من قوله سبحانه (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) فإن ـ الإيلاء ـ لكون أحد الأمرين لازما له الكفارة على تقدير الحنث من غير إثم ، والطلاق على تقدير البر مخالف لسائر الأيمان المكتوبة حيث يتعين فيها ـ المؤاخذة ـ بهما أو بأحدهما عند الشافعي ـ والمؤاخذة ـ الأخروية عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، فكأنه قيل : إلا الإيلاء فإنّ حكمه غير ما ذكر ، ولذلك لم تعطف هذه الجملة على ما قبلها ، وبعد أن ذكر سبحانه وتعالى ـ أنّ للمولين من نسائهم تربص أربعة أشهر ـ بين حكمه بقوله تعالى جل شأنه : (فَإِنْ فاؤُ) أي رجعوا في المدّة (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لما حدث منهم من اليمين على الظالم وعقد القلب على ذلك الحنث ، أو بسبب الفيئة والكفارة ، ويؤيده قراءة ابن مسعود (فَإِنْ فاؤُ) فيهن (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) أي صمموا قصده بأن لم يفيئوا واستمرّوا على الإيلاء (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لإيلائهم الذي صار منهم طلاقا بائنا بمضي العدة (عَلِيمٌ) بغرضهم من هذا الإيلاء فيجازيهم على وفق نياتهم ، وهذا ما حمل عليه الحنفية هذه الآية فإنهم قالوا : الإيلاء من المرأة أن يقول : والله لا أقربك (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فصاعدا على التقييد بالأشهر ، أو لا أقربك على الإطلاق ، ولا يكون فيما دون ذلك عند الأئمة الأربعة ، وأكثر العلماء خلافا للظاهرية والنخعية وقتادة وحماد وابن أبي حماد وإسحاق حيث يصير عندهم موليا في قليل المدة وكثيرها ، وحكمه إن فاء إليها في المدّة بالوطء إن أمكن ، أو بالقول إن عجز عنه صح الفيء وحنث القادر ولزمته كفارة اليمين ولا كفارة على