بالحرف الذي يتعدى به فعله كأزهد فيه من كذا وإن كان من متعد في الأصل فإن كان الفعل يفهم علما أو جهلا تعدى ـ بالباء ـ كأعلم بالفقه وأجهل بالنحو ، وإن كان لا يفهم ذلك تعدى باللام كأنت أضرب لعمرو إلا في باب الحب والبغض فإنه يتعدى إلى المفعول ـ بفي ـ كهو أحب في بكر وأبغض في عمرو وإلى الفاعل المعنوي بإلى زيد أحب إلى خالد من بشر أو أبغض إليه منه ، وقرئ وأن يعفو ـ بالياء ـ (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) عطف على الجملة الاسمية المقصود منها الأمر على أبلغ وجه أي لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض كالشيء المنسي ، والظرف إما متعلق بتنسوا أو بمحذوف وقع حالا من الفضل وحمل الفضل على الزيادة إشارة إلى ما سبق من قوله تعالى : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة : ٢٢٨] في الدرك الأسفل من الضعف ، وقيل : إن الظرف متعلق بمحذوف وقع صفة للفضل على رأي من يرى حذف الموصول مع بعض صلته والفضل بمعنى الإحسان أي ـ لا تنسوا الإحسان ـ الكائن بينكم من قبل وليكن منكم على ذكر حتى يرغب كل في العفو مقابلة لإحسان صاحبه عليه ، وليس بشيء لأنه على ما فيه يرد عليه أن لا إحسان في الغالب بين المرأة وزوجها قبل الدخول ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه ـ ولا تناسوا ـ وبعضهم ـ ولا تنسوا ـ بسكون الواو.
(إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يكاد يضيع ما عملتم (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) أي داوموا على أدائها لأوقاتها من غير إخلال كما ينبئ عنه صيغة المفاعلة المفيدة للمبالغة ولعل الأمر بها عقيب الحض على العفو ، والنهي عن ترك الفضل لأنها تهيئ النفس لفواضل الملكات لكونها الناهية عن الفحشاء والمنكر ، أو ليجمع بين التعظيم لأمر الله تعالى على خلقه ، وقيل : أمر بها في خلال بيان ما تعلق بالأزواج والأولاد من الأحكام الشرعية المتشابكة إيذانا بأنها حقيقة بكمال الاعتناء بشأنها والمثابرة عليها من غير اشتغال عنها بشأن أولئك فكأنه قيل : لا يشغلنكم التعلق بالنساء وأحوالهن وتوجهوا إلى مولاكم بالمحافظة على ما هو عماد الدين ومعراج المؤمنين (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) أي المتوسطة بينها أو الفضلى منها ، وعلى الأول استدل بالآية على أن الصلوات خمس بلا زيادة دون الثاني ، وفي تعيينها أقوال «أحدها» أنها الظهر لأنها تفعل في وسط النهار ، «الثاني» أنها العصر لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل وهو المروي عن علي والحسن وابن عباس وابن مسعود وخلق كثير وعليه الشافعية «والثالث» أنها المغرب ، وعليه قبيصة بن ذؤيب لأنها وسط في الطول والقصر «والرابع» أنها صلاة العشاء لأنها بين صلاتين لا يقصران «والخامس» أنها الفجر لأنها بين صلاتي الليل والنهار ولأنها صلاة لا تجمع مع غيرها فهي منفردة بين مجتمعين وهو المروي عن معاذ وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد واختاره الشافعي رضي الله تعالى عنه نفسه ، وقيل : المراد بها صلاة الوتر ، وقيل : الضحى ، وقيل : عيد الفطر ، وقيل : عيد الأضحى ، وقيل : صلاة الليل ، وقيل : صلاة الجمعة ، وقيل : الجماعة ، وقيل : صلاة الخوف «وقيل ، وقيل ..».
والأكثرون صححوا أنها صلاة العصر لما أخرج مسلم من حديث عليّ كرم الله تعالى وجهه «أنه صلىاللهعليهوسلم قال يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله تعالى بيوتهم نارا» وخصت بالذكر لأنها تقع في وقت اشتغال الناس لا سيما العرب ، قال بعض المحققين : والذي يقتضيه الدليل من بين هذه الأقوال أنها الظهر ونسب ذلك إلى الامام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، وبيان ذلك أن سائر الأقوال ليس لها مستند يقف له العجلان سوى القول بأنها صلاة العصر ، والأحاديث الواردة بأنها هي قسمان : مرفوعة وموقوفة ، والموقوفة لا يحتج بها لأنها أقوال صحابة عارضها أقوال صحابة آخرين أنها غيرها ، وقول الصحابي لا يحتج به إذا عارضه قول صحابي آخر قطعا وإنما جرى الخلاف في الاحتجاج به عند عدم المعارضة ، وأما المرفوعة فغالبها لا يخلو إسناده عن مقال والسالم من المقال