وقيل : وجه المناسبة أنه لما ذكر سبحانه (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ذكر هذه القصة لأنها من عظيم آياته وبدائع قدرته ، وقيل : جعل الله تعالى هذه القصة لما فيها من تشجيع المسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة ، والحث على التوكل والاستسلام للقضاء تمهيدا لقوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وهو عطف في المعنى على (أَلَمْ تَرَ) لأنه بمعنى انظروا وتفكروا ، والسورة الكريمة لكونها سنام القرآن ذكر فيها كليات الأحكام الدينية من الصيام والحج والصلاة والجهاد على نمط عجيب مستطردا تارة للاهتمام بشأنها يكر عليها كلما وجد مجال ، ومقصودا أخرى دلالة على أن المؤمن المخلص لا ينبغي أن يشغله حال عن حال. وإن المصالح الدنيوية ذرائع إلى الفراغة للمشاغل الأخروية ، والجهاد لما كان ذروة سنام الدين ، وكان من أشق التكاليف حرضهم عليه من طرق شتى مبتدئا من قوله سبحانه : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ١٥٤] منتهيا إلى هذا المقال الكريم مختتما بذكر الانفاق في سبيله للتتميم ـ قاله في الكشف ـ وجوز في العطف وجوه أخر ، الأول أنه عطف على مقدر يعينه ما قبله كأنه قيل فاشكروا فضله بالاعتبار بما قص عليكم ـ وقاتلوا في سبيله ـ لما علمتم أن الفرار لا ينجي من الحمام وأن المقدر لا يمحى فإن كان قد حان الأجل فموت في سبيل الله تعالى خير سبيل وإلا فنصر وثواب ، الثاني أنه عطف على ما يفهم من القصة أي اثبتوا ولا تهربوا كما هرب هؤلاء وقاتلوا ، الثالث أنه عطف على (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) إلى (فَإِنْ خِفْتُمْ) الآية لأن فيه إشعارا بلقاء العدوّ وما جاء جاء كالاعتراض ، الرابع أنه عطف على (فَقالَ لَهُمُ اللهُ) والخطاب لمن أحياهم الله تعالى وهو كما ترى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما يقوله المتخلف عن الجهاد من تنفير الغير عنه وما يقوله السابق إليه من ترغيب فيه (عَلِيمٌ) بما يضمره هذا وذلك من الأغراض والبواعث فيجازي كلّا حسب عمله ونيته (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ مَنْ) استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء ، و (ذَا) خبره و (الَّذِي) صفة له أو بدل منه ، ولا يجوز أن يكون (مَنْ ذَا) بمنزلة اسم واحد مثل ما تكون ما ذا كذلك كما نص عليه أبو البقاء لأن ما أشد إبهاما من ـ من ـ وإقراض الله تعالى مثل لتقديم العمل العاجل طائل للثواب الآجل ، والمراد هاهنا إمّا الجهاد المشتمل على بذل النفس والمال ، وإما مطلق العمل الصالح ويدخل فيه ذلك دخولا أوليا ، وعلى كلا التقديرين لا يخفى انتظام الجملة بما قبلها (قَرْضاً) إمّا مصدر بمعنى ـ إقراضا ـ فيكون نصبا على المصدرية ، وإما بمعنى المفعول فيكون نصبا على المفعولية ، وقوله سبحانه : (حَسَناً) صفة له على الوجهين وجهة الحسن على الأوّل الخلوص مثلا وعلى الثاني الحل والطيب ، وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ـ القرض الحسن ـ المجاهدة والإنفاق في سبيل الله تعالى ، وعليه يلتئم النظم أتم التئام (فَيُضاعِفَهُ) أي ـ القرض ـ (لَهُ) وجعله ـ مضاعفا ـ مجاز لأنه سبب ـ المضاعفة ـ وجوز تقدير مضاف أي ـ فيضاعف ـ جزاءه ، وصيغة المفاعلة ليست على بابها إذ لا مشاركة وإنما اختيرت للمبالغة المشيرة إليها المغالبة.
وقرأ عاصم بالنصب ، وفيه وجهان : أحدهما أن يكون ـ معطوفا ـ على مصدر ـ يقرض ـ في المعنى أي ـ من ذا الذي ـ يكون منه قرض فمضاعفة من الله تعالى ، وثانيهما أن يكون جوابا لاستفهام معنى أيضا لأن المستفهم عنه وإن كان المقرض في اللفظ إلا أنه في المعنى الإقراض فكأنه قيل : أيقرض الله تعالى أحد (فَيُضاعِفَهُ) وهذا ما اختاره أبو البقاء ولم يجوز أن يكون جواب الاستفهام في اللفظ لأن المستفهم عنه فيه المقرض لا القرض ولا عطفه على المصدر الذي هو قرضا كما يعطف الفعل على المصدر بإضمار إن لأمرين ـ على ما قيل ـ الأوّل أن قرضا هنا مصدر مؤكد وهو لا يقدر بأن والفعل ، والثاني أن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولا ليقرض ، ولا يصح هذا لأن المضاعفة ليست مقروضة ، وإنما هي فعل من الله تعالى وفيه تأمل ، وقرأ ابن كثير : يضعفه بالرفع والتشديد ، ويعقوب وابن عامر