النساء : ١٢٥ ، الأنعام : ١٦١ ، النحل : ١٢٣] لأن الملة كالجزء كأنه قيل : اتبعوا إبراهيم حنيفا وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري وهو سر هذا الموضع لا ما طوله كثيرون لا سيما حمل (مِنَ) على التجريد فإنه مع أن المعنى على التبعيض لا البيان وليس كل بيان تجريدا لا يتم مقصوده انتهى.
وقد عرض في ذلك بشيخه العلامة الطيبي فإنه عليه الرحمة قد تكلف ما تكلف والإنصاف أن ما جوزه الزمخشري هنا مما لا ينبغي والسعي في إصلاحه مع وجود الوجه الواضح الذي لا ترهقه قترة يقرب من أن يكون عبثا. وقرأ ابن كثير ، والكسائي ، ويعقوب ، وسهل «قطعا» بسكون الطاء وهو اسم مفرد معناه طائفة من الليل أو ظلمة آخره أو اسم جنس لقطعة وأنشدوا :
افتحي الباب وانظري في النجوم |
|
كم علينا من قطع ليل بهيم |
وعلى هذا يجوز أن يكون (مُظْلِماً) صفة له أو حالا منه بلا تكلف تأويل. وقرئ «كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم» والكلام فيه ظاهر ، والجملة كالتي قبلها مستأنفة أو حال من ضمير (تَرْهَقُهُمْ أُولئِكَ) أي الموصوفون بما ذكر من الصفات الذميمة (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لا يخرجون منها أبدا واحتجت الوعيدية بهذه الآية على قولهم الفاسد بخلود أهل الكبائر. وأجيب بأن السيئات شاملة للكفر وسائر المعاصي وقد قامت الأدلة على أنه لا خلود لأصحاب المعاصي فخصصت الآية بمن عداهم ، وأيضا قد يقال إنهم داخلون في الذين أحسنوا بناء على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس وأبو الشيخ عن قتادة أنهم الذين شهدوا أن لا إله إلا الله أي المؤمنون مطلقا فلا يدخلون في القسم الآخر لتنافي الحكمين ، وقيل : إن أل في السيئات للاستغراق فالمراد من عمل جميع ذلك ؛ والقول بخلوده في النار مجمع عليه وليس بذاك.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) كلام مستأنف مسوق لبيان بعض آخر من أحوالهم الفظيعة ، وتأخيره في الذكر مع تقدمه في الوجود على بعض أحوالهم المحكية سابقا كما قال بعض المحققين للإيذان باستقلال كل من السابق واللاحق بالاعتبار ولو روعي الترتيب الخارجي لعد الكل شيئا واحدا ولذلك فصل عما قبله ، وزعم الطبرسي أنه تعالى لما قدم ذكر الجزاء بين بهذا وقت ذلك ، وعليه فالآية متصلة بما ذكر آنفا لكن لا يخفى أن ذلك لم يخرج مخرج البيان ، وأولى منه أن يقال : وجه اتصاله بما قبله أن فيه تأكيدا لقوله سبحانه : (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) من حيث دلالته على عدم نفع الشركاء لهم. و (يَوْمَ) منصوب بفعل مقدر كذكرهم وخوفهم ، وضمير (نَحْشُرُهُمْ) لكلا الفريقين من الذين أحسنوا الحسنى والذين كسبوا السيئات لأنه المتبادر من قوله تعالى: (جَمِيعاً) ومن أفراد الفريق الثاني بالذكر في قوله سبحانه : (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي للمشركين من بينهم ولأن توبيخهم وتهديدهم على رءوس الأشهاد أفظع ، والإخبار بحشر الكل في تهويل اليوم أدخل ، وإلى هذا ذهب القاضي البيضاوي وغيره ، وكون مراده بالفريقين فريقي الكفار والمشركين خلاف الظاهر جدا.
وقيل : الضمير للفريق الثاني خاصة فيكون الذين أشركوا من وضع الموصول موضع الضمير ، والنكتة في تخصيص وصف إشراكهم في حيز الصلة من بين سائر ما اكتسبوه من السيئات ابتناء التوبيخ والتقريع عليه مع ما فيه من الإيذان بكونه معظم جناياتهم وعمدة سيئاتهم ، وهو السر في الإظهار في مقام الإضمار على القول الأخير (مَكانَكُمْ) ظرف متعلق بفعل حذف فسد هو مسده وهو مضاف إلى الكاف ، والميم علامة الجمع أي ألزموا مكانكم. والمراد انتظروا حتى تنظروا ما يفعل بكم. وعن أبي علي الفارسي أن مكان اسم فعل وحركته حركة بناء. وهل هو اسم فعل لالزم أو لاثبت ظاهر كلام بعضهم الأول والمنقول عن شرح التسهيل الثاني لأنه على الأول يلزم أن