يكون متعديا كألزم مع أنه لازم ، وأجيب بمنع اللزوم ، وقال السفاقسي : في كلام الجوهري ما يدل على أن ألزم يكون لازما ومتعديا فلعل ما هو اسم له اللازم : وذكر الكوفيون أنه يكون متعديا وسمعوا من العرب مكانك زيدا أي انتظره. واختار الدماميني في شرح التسهيل عدم كونه اسم فعل فقال : لا أدري ما الداعي إلى جعل هذا الظرف اسم فعل إما لازما وإما متعديا وهلا جعلوه ظرفا على بابه ولم يخرجوه عن أصله أي اثبت مكانك أو انتظر مكانك ، وإنما يحسن دعوى اسم الفعل حيث لا يمكن الجمع بين ذلك الاسم وذلك الفعل نحو : صه وعليك وإليك ، وأما إذا أمكن فلا كورائك وأمامك وفيه منع ظاهر.
وقوله تعالى : (أَنْتُمْ) توكيد للضمير المنتقل إلى الظرف من عامله على القول الأول وللضمير المستتر في اسم الفعل على القول الثاني ، وقوله سبحانه : (وَشُرَكاؤُكُمْ) عطف على ذلك ، وقيل : إن (أَنْتُمْ) مبتدأ خبره محذوف أي مهانون أو مجزيون وهو خلاف الظاهر مع ما فيه من تفكيك النظم ، وقيل : ولأنه يأباه قراءة وشركاءكم بالنصب إذ يصير حينئذ مثل ـ كل رجل وضيعته ـ ومثله لا يصح فيه ذلك لعدم ما يكون عاملا فيه ، والعامل على التوجيه الأول ظاهر لمكان (مَكانَكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي ففرقنا ، وهو من زلت الشيء عن مكانه أزيله أي أزلته ، والتضعيف للتكثير لا للتعدية ، وهو يائي ووزنه فعل بدليل زائل ، وقد قرئ به وهو بمعناه نحو كلمته وكالمته وصعر خده وصاعر خده.
وقال أبو البقاء : إنه واوي لأنه من زال يزول ، وإنما قلبت الواو ياء لأنه فيعل ، والأول أصح لما علمت ولأن مصدره التزييل لا الزيولة مع أن فعل أكثر من فيعل ، ونصب ـ بين ـ على الظرفية لا على أنه مفعول به كما توهم ، والمراد بالتفريق قطع الأقران والوصل التي كانت بينهم وبين الشركاء في الدنيا. وقيل : التفريق الجسماني وظاهر النظم الجليل لا يساعده ، والعطف على (نَقُولُ) وإيثار صيغة الماضي للدلالة على التحقق لزيادة التوبيخ والتحسير ، والفاء للدلالة على وقوع التنزيل ومباديه عقيب الخطاب من غير مهملة إيذانا بكمال رخاوة ما بين الفريقين من العلاقة والوصلة ، وقوله سبحانه : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) عطف على ما قبله ، وجوز أن يكون في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها على الخلاف ، والإضافة باعتبار أن الكفار هم الذين اتخذوهم شركاء لله سبحانه وتعالى.
وقيل : لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فصيروهم شركاء لأنفسهم في ذلك ، والمراد بهؤلاء الشركاء قيل : الأصنام فإن أهل مكة إنما كانوا يعبدونها وهم المعنيون بأكثر هذه الآيات ، ونسبة القول لها غير بعيد من قدرته سبحانه فينطقها الله الذي أنطق كل شيء في ذلك الموقف فتقول لهم (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) والمراد من ذلك تبريهم من عبادتهم وأنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم الداعية لهم وما أعظم هذا مكان الشفاعة التي كانوا يتوقعونها منهم. وقيل : المراد بهم الملائكة والمسيح عليهمالسلام لقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ : ٤٠] وقوله سبحانه : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) [المائدة : ١١٦] الآية ، والمراد من ذلك القول ما أريد منه أولا أيضا لأن نفي العبادة لا يصح لثبوتها في الواقع والكذب لا يقع في القيامة ممن كان ، وقيل : إن قول الشركاء مجرى على حقيقته بناء على أن ذلك الموقف موقف الدهشة والحيرة فذلك الكذب يكون جاريا مجرى كذب الصبيان والمجانين المدهوشين ، ويمكن أن يقال أيضا : إنهم ما أقاموا لأعمال الكفار وزنا وجعلوها لبطلانها كالعدم فلذا نفوا عبادتهم إياهم أو يقال : إن المشركين لما تخيلوا فيما عبدوه أوصافا كثيرة غير موجودة فيه في نفس الأمر كانوا في الحقيقة إنما عبدوا ذوات موصوفة بتلك الصفات ولما كانت ذوات الشركاء خالية عن تلك الصفات صدق أن يقال : إن المشركين ما عبدوا الشركاء وهذا أولى من الأولين بل لا يكاد يلتفت إليهما وكأن حاصل المعنى عليه إنكم عبدتم من زعمتم أنه يقدر على الشفاعة لكم وتخليصكم من العذاب وإنه