تعلق غرض به. وذهب المعتزلة أن فاعل الصرف نفسه المشركون فهم الذين صرفوا أنفسهم وعدلوا بها عن الحق إلى الضلال بناء على أن العباد هم الخالقون لأفعالهم ، وأمر الإنكار والتعجب عليه ظاهر ، وإنما لم يسند الفعل إلى ضميرهم على جهة الفاعلية إشارة إلى أنه بلغ من الشناعة إلى حيث إنه لا ينبغي أن يصرح بوقوعه منهم فتدبر (كَذلِكَ) أي كما حقت كلمة الربوبية لله سبحانه وتعالى أو كما أنه ليس بعد الحق إلا الضلال أو كما أنهم مصرفون عن الحق (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي حكمه (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) أي تمردوا في الكفر وخرجوا إلى أقصى حدوده ، والمراد بهم أولئك المخاطبون ، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوصل إلى ذمهم بعنوان الصلة وللإشعار بالعلية (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بدل من الكلمة بدل كل من كل أو بدل اشتمال بناء على أن الحكم بالمعنى المصدري أو بمعنى المحكوم به ، وقد تفسر الكلمة بالعدة بالعذاب فيكون هذا في موضع التعليل لحقيتها أي لأنهم إلخ ، واعترض بأن محصل الآية حينئذ على ما تقرر في الذين فسقوا أن كلمة العذاب حقت على أولئك المتمردين لتمردهم في كفرهم ولأنهم لا يؤمنون وهو تكرار لا طائل تحته ، وأجيب بأنه لو سلم أن في الآية تكرارا مطلقا فهو تصريح بما علم ضمنا ، وفيه دلالة على شرف الإيمان بأن عذاب المتمردين في الكفر بسبب انتفاء الإيمان (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) احتجاج آخر على حقية التوحيد وبطلان الإشراك ، ولم يعطف إيذانا باستقلاله في إثبات المطلوب ، والسؤال للتبكيت والإلزام ، وجعل سبحانه الإعادة لسطوع البراهين القائمة عليها بمنزلة البدء في إلزامهم ولم يبال بإنكارهم لها لأنهم مكابرون فيه والمكابر لا يلتفت إليه فلا يقال : إن مثل هذا الاحتجاج إنما يتأتى على من اعترف بأن من خواص الإلهية بدء الخلق ثم إعادته ليلزم من نفيه عن الشركاء نفي الإلهية وهم غير مقرين بذلك ، ففي الآية الإشارة إلى أن الإعادة أمر مكشوف ظاهر بلغ في الظهور والجلاء بحيث يصح أن يثبت فيه دعوى أخرى ، وجعل ذلك الطيبي من صنعة الإدماج كقول ابن نباتة :
فلا بدّ لي من جهلة في وصاله |
|
فمن لي بخلّ أودع الحلم عنده |
فقد ضمن الغزل الفخر بكونه حليما والفخر شكاية الإخوان (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) قيل هو أمر له صلىاللهعليهوسلم بأن يبين لهم من يفعل ذلك أي قل لهم الله سبحانه هو يفعلهما لا غيره كائنا ما كان لا بأس ينوب عليه الصلاة والسلام عنهم في الجواب كما قاله غير واحد لأن المقول المأمور به غير ما أريد منهم من الجواب وإن كان مستلزما له إذ ليس المسئول عنه من يبدأ الخلق ثم يعيده كما في قوله سبحانه : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) [الرعد : ١٦] حتى يكون القول المأمور به عين الجواب الذي أريد منهم ويكون صلىاللهعليهوسلم نائبا عنهم في ذلك بل إنما هو وجود من يفعل البدء والإعادة من شركائهم فالجواب المطلوب منهم لا غير. نعم أمر صلىاللهعليهوسلم بأن يضمنه مقالته إيذانا بتعينه وتحتمه وإشعارا بأنهم لا يجترءون على التصريح به مخافة التبكيت والقام الحجر لا مكابرة ولجاجا انتهى ، وقد يقال : المراد من قوله سبحانه : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) إلخ هل المبدئ المعيد الله أم الشركاء ، والمراد من قوله سبحانه جل شأنه : (اللهُ) إلخ الله يبدأ ويعيد لا غيره من الشركاء وحينئذ ينتظم السؤال والجواب وانفهام الحصر بدلالة الفحوى فإنك إذا قلت : من يهب الألوف زيد أم عمرو فقيل : زيد يهب الألوف أفاد الحصر بلا شبهة.
وبما ذكر يعلم ما في الكلام السابق في الرد على ما قاله الجمع وكذا رد ما قاله القطب من أن هذا لا يصلح جوابا عن ذلك السؤال لأن السؤال عن الشركاء وهذا الكلام في الله تعالى بل هو استدلال على إلهيته تعالى وإنه الذي يستحق العبادة بأنه المبدئ المعيد بعد الاستدلال على نفي إلهية الشركاء فتأمل ، وفي إعادة الجملة في الجواب بتمامها غير محذوفة الخبر كما في الجواب السابق لمزيد التأكيد والتحقيق (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) الإفك الصرف والقلب