وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٨٩)
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) بيان لكونهم مطبوعا على قلوبهم بحيث لا سبيل إلى إيمانهم و (مَنْ) مبتدأ خبره مقدم عليه ، وهو إما موصول أو نكرة موصوفة والجملة بعده إما صلة أو صفة ، وجمع الضمير الراجع إليه رعاية لجانب المعنى كما أفرد فيما بعد رعاية لجانب اللفظ ، ولعل ذلك للإيماء إلى كثرة المستمعين بناء على عدم توقف الاستماع على ما يتوقف عليه النظر من الشروط العادية أو العقلية ، والمعنى ومن المكذبين الذين أو أناس يصغون إلى القرآن أو إلى كلامك إذا علمت الشرائع وتصل الألفاظ لآذانهم ، ولكن لا ينتفعون بها ولا يقبلونها كالصم الذين لا يسمعون (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) أي تقدر على أسماعهم (وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) أي ولو انضم إلى صممهم عدم عقلهم لأن الأصم العاقل ربما تفرس إذا وصل إلى صماخه دوي وأما إذا اجتمع فقدان السمع والعقل فقد تم الأمر ، وإنما جعلوا كالصم الذين لا عقل لهم مع كونهم عقلاء لأن عقولهم قد أصيبت بآفة معارضة الوهم لها وداء متابعة الالف والتقليد ، ومن هنا تعذر عليهم فهم معاني القرآن والأحكام الدقيقة وإدراك الحكم الرشيقة الأنيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما تنتفع به البهائم من كلام الناعق وتقديم المسند إليه في (أَفَأَنْتَ) للتقوية عند السكاكي وجعله العلامة للتخصيص. ففي تقديم الفاعل المعنوي وإيلائه همزة الإنكار الدلالة على أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم تصور في نفسه من حرصه على إيمان القوم أنه قادر على الاسماع أو نزل منزلة من تصور أنه قادر عليه وأنه تعالى شأنه نفى ذلك عنه صلىاللهعليهوسلم وأثبته لنفسه سبحانه على الاختصاص كأنه قيل : أنت لا تقدر على إسماع أولئك بل نحن القادرون عليه كذا قيل وفي القلب منه شيء ، ولذا اختير هنا مذهب السكاكي ، وجعل إنكار الإسماع متفرعا على المقدمة الاستدراكية المطوية المفهومة من المقام حسبما أشير إليه ، وفيه اعتبار كون الهمزة مقدمة من تأخير لاقتضائها الصدارة وهو مذهب لبعضهم.
وقيل : إنها في موضعها ، وأدخلت الفاء لإنكار ترتب الإسماع على الاستماع لكن لا بطريق العطف على فعله المذكور الواقع صلة أو صفة للزوم اختلال المعنى على ذلك بل بطريق العطف على فعل مثله مفهوم من فحوى النظم غير واقع موقعه كأنه قيل : أيستمعون إليك فأنت تسمعهم ، وقد يراد إنكار إمكان وقوع الإسماع عقيب ذلك وترتبه عليه كما ينبئ عنه وضع الصم موضع ضميرهم ووصفهم بعدم العقل ، وجواب (لَوْ) محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والجملة معطوفة على جملة مقدرة مقابلة لها ، والكل في موضع الحال من مفعول الفعل السابق ، أي أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون على معنى أفأنت تسمعهم على كل حال مفروض ويقال ـ للو ـ هذه وصلية وذلك أمر مشهور. واستشكل الإتيان بها هنا بأن الأصل فيها أن يكون الحكم على تقدير تحقق مدخولها ثابتا كما أنه ثابت على تقدير عدمه إلا أنه على تقدير عدمه أولى والأمر هنا بالعكس. وأجيب بأن اتصال الوصل بالإثبات جار على المعروف فإن تقديره تسمعهم ولو كانوا لا يعقلون وظاهر أن إسماعهم مع العقل بطريق الأولى ، والاستفهام إثبات بحسب الظاهر فإن نظر إليه فذاك وإن نظر إلى الإنكار وأنه نفي بحسب المعنى اعتبر أنه داخل على المجموع بعد