والأصل أن فرحوا بشيء فبذلك ليفرحوا لا بشيء آخر ثم زيدت الفاء لما ذكر ثم حذف الشرط ، وقيل : إن الأولى هي الزائدة لأن جواب الشرط في الحقيقة فليفرحوا ـ وبذلك ـ مقدم من تأخير لما أشير إليه ، وزيدت فيه الفاء للتحسين ، ولذلك جوز أن يكون بدلا من قوله سبحانه : (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) وحينئذ لا يحتاج إلى القول بحذف متعلقه ونظير ذلك في الاختلاف في تعيين الزائد فيه قول النمر بن تولب :
لا تجزعي إن منفسا أهلكته |
|
فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي |
ومن غريب العربية ما أشار إليه بعضهم أن الآية من باب الاشتغال وقد أقيم اسم الإشارة مقام ضمير المعمول وتوحيده باعتبار ما ذكر ونحوه كما هو شائع فيه ، ووجه غرابته أن المعروف في شرط الباب اشتغال العامل بضمير المعمول ولم يذكر أحد من النحاة اشتغاله باسم الإشارة إليه ، وجوز أن يقدر متعلق الجار والمجرور فليعتنوا أي بفضل الله ورحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا ، والقرينة على تقدير ذلك أن ما يفرح به يكون مما يعتنى ويهتم بشأنه ، أو تقديم الجار والمجرور على ما قيل ، وقال الحلبي : الدلالة عليه من السياق واضحة وليس شرط الدلالة أن تكون لفظية ، فقول أبي حيان : إن ذلك إضمار لا دليل عليه ما لا وجه له ، وأن يقدر جاءتكم بعد (قُلْ) مدلولا عليه بما قبل أي قل جاءتكم موعظة وشفاء وهدى ورحمة بفضل الله وبرحمته ولا يجوز تعلقه بجاءتكم المذكور لأن (قُلْ) تمنع من ذلك ، ـ وذلك ـ على هذا إشارة إلى المصدر المفهوم من الفعل وهو المجيء أي فبمجيء المذكورات فليفرحوا ، وتكرير الباء في برحمته على سائر الأوجه للإيذان باستقلالها في استيجاب الفرح ، والمراد بالفضل والرحمة إما الجنس ويدخل فيه ما في مجيء القرآن من الفضل والرحمة دخولا أوليا وإما ما في مجيئه من ذلك ، ويؤيده ما روي عن مجاهد أن المراد بالفضل والرحمة القرآن.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال قال : «رسول الله صلىاللهعليهوسلم فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله» وروي ذلك عن البراء وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما موقوفا. وجاء عن جمع جم أن الفضل القرآن والرحمة الإسلام وهو في معنى الحديث المذكور. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الفضل القرآن والرحمة الإسلام وهو في معنى الحديث المذكور. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الفضل العلم والرحمة محمد صلىاللهعليهوسلم. وأخرج الخطيب ، وابن عساكر عنه تفسير الفضل بالنبي عليه الصلاة والسلام والرحمة بعلي كرم الله تعالى وجهه ، والمشهور وصف النبي صلىاللهعليهوسلم بالرحمة كما يرشد إليه قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] دون الأمير كرم الله تعالى وجهه ، وإن كان رحمة جليلة رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، وقيل : المراد بهما الجنة والنجاة من النار وقيل غير ذلك ، ولا يجوز أن يراد بالرحمة على الوجه الأخير من أوجه الإعراب ما أريد بها أولا بل هي فيه غير الأولى كما لا يخفى. وروى رويس عن يعقوب أنه قرأ «فلتفرحوا» بتاء الخطاب ولام الأمر على أصل المخاطب المتروك بناء على القول بأن أصل صيغة الأمر الأمر باللام فحذفت مع تاء المضارعة واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن لا على القول بأنها صيغة أصلية ، وقد وردت هذه القراءة في حديث صحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد أخرجه جماعة منهم أبو داود وأحمد والبيهقي من طرق عن أبي ابن كعب رضي الله تعالى عنه مرفوعا ، وقرأ بها أيضا ابن عباس وقتادة وغيرهما. وفي تعليقات الزمخشري على كشافه كأنه صلىاللهعليهوسلم إنما آثر القراءة بالأصل لأنه أدل على الأمر بالفرح وأشد تصريحا به إيذانا بأن الفرح بفضل الله تعالى وبرحمته بليغ التوصية به ليطابق التقرير والتكرير وتضمين معنى الشرط لذلك ، ونظيره مما انقلب فيه ما ليس بفصيح فصيحا قوله سبحانه : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] من تقديم الظرف اللغو ليكون الغرض اختصاص التوحيد انتهى ،