الشاملة ليدلهم على توحده سبحانه باستحقاق العبادة فتعريف الطرفين للقصر وهو قصر تعيين ، وفي ذلك أيضا تقرير لما سلف من كون جميع الموجودات الممكنة تحت قدرته وملكته المفصح عن اختصاص العزة به سبحانه.
والجعل إن كان بمعنى الإبداع والخلق ـ فمبصرا ـ حال وإن كان بمعنى التصيير ـ فلكم ـ المفعول الثاني أو حال كما في الوجه الأول فالمفعول الثاني (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أو هو محذوف يدل عليه المفعول الثاني من الجملة الثانية كما أن العلة الغائية منها محذوفة اعتمادا على ما في الأولى ، والتقدير هو الذي جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتتحركوا فيه لمصالحكم فحذف من كل ما ذكر في الآخر اكتفاء بالمذكور عن المتروك ؛ وفيه على هذا صنعة الاحتباك والآية شائعة في التمثيل بها لذلك وهو الظاهر فيها وإن كان أمرا غير ضروري ، ومن هنا ذهب جمع إلى أنه لا احتباك فيها ، والعدول عن لتبصروا فيه الذي يقتضيه ما قبل إلى ما في النظم الجليل للتفرقة بين الظرف المجرور والظرف الذي هو سبب يتوقف عليه في الجملة وإسناد الأبصار إلى النهار مجازي كالذي في قول جرير :
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى |
|
ونمت وما ليل المطي بنائم |
وقولهم : ـ نهاره صائم ـ وغير ذلك مما يحصى كثرة. وإلى هذا ذهب ابن عطية وجماعة ، وقيل : إن (مُبْصِراً) للنسب كلابن وتامر أي ذا إبصار (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في الجعل المذكور أو في الليل والنهار ، وما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه وعلو رتبته (لَآياتٍ) أي حججا ودلالات على توحيد الله تعالى كثيرة أو آيات أخر غير ما ذكر (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أي الحجج مطلقا سماع تدبر واعتبار أو يسمعون هذه الآيات المتلوة ونظائرها المنبهة على تلك الآيات التكوينية الآمرة بالتأمل فيها ذلك السماع فيعملون بمقتضاها ، وتخصيص هؤلاء بالذكر مع أن الآيات منصوبة لمصلحة الكل لما أنهم المنتفعون بها.
(قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) شروع في ذكر ضرب آخر من أباطيل المشركين وبيان بطلانه ، والمراد بهؤلاء المشركين على ما قيل : كفار قريش والعرب فإنهم قالوا : الملائكة بنات الله تعالى ، واليهود والنصارى القائلون : عزير وعيسى عليهماالسلام ابناه عزوجل والاتخاذ صريح في التبني ، وظاهر الآية يدل على أن ذلك قول كل المشركين وإذا ثبت أن منهم من يقول بالولادة والتقدير حقيقة كان ما هنا قول البعض ولينظر هل يجري فيه احتمال إسناد ما للبعض للكل لتحقق شرطه أم لا يجري لفقد ذلك والولد يستعمل مفردا وجمعا.
وفي القاموس الولد محركة وبالضم والكسر والفتح واحد وجمع وقد يجمع على أولاد وولدة وإلدة بالكسر فيهما وولد الضم وهو يشمل الذكر والأنثى (سُبْحانَهُ) تنزيه وتقديس له تعالى عما نسبوا إليه على ما هو الأصل في معنى سبحان وقد يستعمل للتعجب مجازا ويصح إرادته هنا ، والمراد التعجب من كلمتهم الحمقى ، وجمع بعضهم بين التنزيه والتعجب ولعله مبني على أن التعجب معنى كنائي وأنه يصح إرادة المعنى الحقيقي في الكناية وهو أحد قولين في المسألة ، وقيل : إنه لا يلزم استفادة معنى التعجب منه باستعمال اللفظ فيه بل هو من المعاني الثواني ، وقوله سبحانه : (هُوَ الْغَنِيُ) أي عن كل شيء في كل شيء علة لتنزهه تعالى وتقدس عن ذلك وإيذان بأن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة وهي التقوى أو بقاء النوع مثلا ، وقوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي من العقلاء وغيرهم تقرير لمعنى الغني لأن المالك لجميع الكائنات هو الغني وما عداه فقير ، وقيل : هو علة أخرى لتنزه عن التبني لأنه ينافي المالكية ، وقوله جل شأنه : (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي حجة (بِهذا) أي بما ذكر من القول الباطل توضيح لبطلانه بتحقيق سلامة ما أقيم من البرهان الساطع عن المعارض والمنافي ـ فإن ـ نافية و (مِنْ) زائدة لتأكيد النفي ومجرورها مبتدأ والظرف المقدم خبره أو مرتفع على أنه فاعل له لاعتماده على النفي و (بِهذا) متعلق