إما ـ بسلطان ـ لأنه بمعنى الحجة كما سمعت وإما بمحذوف وقع صفة له ، وقيل : وقع حالا من الضمير المستتر في الظرف الراجع إليه وإما بما في (عِنْدَكُمْ) من معنى الاستقرار ، ويتعين على هذا كون (سُلْطانٍ) فاعلا للظرف لئلا يلزم الفصل بين العامل المعنوي ومتعلقه بأجنبي ، والالتفات إلى الخطاب لمزيد المبالغة في الإلزام والإفحام وتأكيد ما في قوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من التوبيخ والتقريع على جهلهم واختلاقهم ، وفي الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لا بد لها من قاطع وأن التقليد بمعزل من الاهتداء ولا تصلح متمسكا لنفي القياس والعمل بخبر الآحاد لأن ذلك في الفروع وهي مخصوصة بالأصول لما قام من الأدلة على تخصيصها وإن عم ظاهرها.
(قُلْ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى سيد المخاطبين صلىاللهعليهوسلم ليبين سوء مغبتهم ووخامة عاقبتهم وفي ذلك إنذارهم عن الاستمرار على ما هم فيه ولغيرهم عن الوقوع في مثله (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في كل أمر ويدخل الافتراء بنسبة الولد والشريك إليه تعالى دخولا أوليا وهو أولى من الاقتصار على ما الكلام فيه ، وحينئذ فالمراد بالموصول ما يعم أولئك المخاطبين وغيرهم ، أي إن من تكون هذه صفتهم كائنا ما كانوا (لا يُفْلِحُونَ) لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب أصلا ويندرج في ذلك عدم النجاة من النار وعدم الفوز بالجنة والاقتصار عليه في مقام المبالغة في الزجر عن الافتراء عليه سبحانه دون النعيم في المناسبة.
(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) خبر مبتدأ محذوف أي هو أو ذلك متاع ، والتنوين للتحقير والتقليل ، والظرف متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع نعتا له ، والجملة كلام مستأنف سيق جوابا لسؤال مقدر عما يتراءى فيهم بحسب الظاهر من نيل المطالب والفوز بالحظوظ الدنيوية على الإطلاق أو في ضمن افترائهم وبيانا لأن ذلك بمعزل من أن يكون من جنس الفلاح كأنه قيل : كيف لا يفلحون وهم في غبطة ونعيم؟ فقيل : هو أو ذلك متاع حقير قليل في الدنيا وليس بفوز بالمطلوب ، ثم أشير إلى انتفاء النجاة عن المكروه أيضا بقوله سبحانه : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي إلى حكمنا رجوعهم بالموت فيلقون الشقاء المؤبد (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي بسبب كفرهم المستمر أو بكفرهم في الدنيا فأين هم من الفلاح وما ذكرنا من كون متاع خبر مبتدأ محذوف هو الذي ذهب إليه غير واحد من المعربين ، غير أن أبا البقاء وآخرين منهم قدروا المبتدأ حياتهم أو تقلبهم أو افتراؤهم ، واعترض على تقدير الأخير بأن المتاع إنما يطلق على ما يكون مطبوعا عند النفس مرغوبا فيه في نفسه يتمتع به وينتفع وإنما عدم الاعتداد به لسرعة زواله ، ونفس الافتراء عليه سبحانه أقبح القبائح عند النفس فضلا عن أن يكون مطبوعا عندها. وأجيب بأن إطلاق المتاع على ذلك باعتبار أنه مطبوع عند نفوسهم الخبيثة وفيه انتفاع لهم به حسبما يرونه انتفاعا وإن كان من أقبح القبائح وغير منتفع به في نفس الأمر ، ولا يخفى أن الوجه الأول مع هذا أوجه ، وقيل : إن المذكور مبتدأ محذوف الخبر أي لهم متاع إلخ وليس ببعيد ، والآية إما مسوقة من جهته سبحانه لتحقيق عدم أفلاحهم غير داخلة في الكلام المأمور به وهو الذي يقتضيه ظاهر قوله سبحانه : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) وقوله تعالى : (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ) وإما داخلة فيه على أن النبي صلىاللهعليهوسلم مأمور بنقله وحكايته عنه تعالى شأنه وله نظائر في الكتاب العزيز (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) أي على المشركين من أهل مكة وغيرهم لتحقيق ما سبق من عدم إفلاح المفترين وكون ما يتمتعون به على جناح الفوات وأنهم مشرفون على الشقاء المؤبد والعذاب الشديد (نَبَأَ نُوحٍ) أي خبره الذي له شأن وخطر مع قومه الذين هم أضراب قومك في الكفر والعناد ليتدبروا ما فيه مما فيه مزدجر فلعلهم ينزجرون عما هم عليه أو تنكسر شدة شكيمتهم ولعل بعض من يسمع ذلك منك ممن أنكر صحة نبوتك أن يعترف بصحتها فيؤمن بك بأن يكون قد ثبت عنده ما يوافق ما تضمنه المتلو من