حظوظ الدنيا فمن أخذ عليه الأجرة خرج من أن يكون قربة بمقتضى الكتاب والسنة ، وادعى الكيا أنها مثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنما الأعمال بالنيات» وتدل على أن من صام في رمضان لا عن رمضان لا يقع عن رمضان ، وعلى أن من توضأ للتبرد أو التنظف لا يصح وضوءه ، وفي ذلك خلاف مبسوط بما له وعليه في محله.
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) تدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره ، ويدخل في ذلك الإسلام دخولا أوليا ، واقتصر عليه بعضهم بناء على أنه المناسب لما بعد ، وأصل ـ البينة ـ كما قيل : الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة ، وتطلق على الدليل مطلقا ، وهاؤها للمبالغة ، أو النقل ، وهي وإن قيل : إنها من بان بمعنى تبين واتضح لكنه اعتبر فيها دلالة الغير والبيان له ، وأخذها بعضهم من صيغة المبالغة ، والتنوين فيها هنا للتعظيم أي بينة عظيمة الشأن ، والمراد بها القرآن وباعتبار ذلك أو البرهان ذكر الضمير الراجع إليها في قوله سبحانه : (وَيَتْلُوهُ) أي يتبعه (شاهِدٌ) عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه وهو ـ كما قال الحسين بن الفضل ـ الإعجاز في نظمه ، ومعنى كون ذلك تابعا له أنه وصف له لا ينفك عنه حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها فلا يستطيع أحد من الخلق جيلا بعد جيل معارضته ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وكان الضمير في (مِنْهُ) وهو متعلق بمحذوف وقع صفة لشاهد ، ومعنى كونه منه أنه غير خارج عنه.
وجوز أن يكون هذا الضمير راجعا إلى الرب سبحانه ، ومعنى كونه منه تعالى أنه وارد من جهته سبحانه للشهادة ، وعلى هذا يجوز أن يراد بالشاهد المعجزات الظاهرة على يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنها من الشواهد التابعة للقرآن الواردة من قبله عزوجل ، وأمر التبعية فيها ظاهر ، والمراد بالموصول كل من اتصف بتلك الكينونة من المؤمنين.
وعن أبي العالية أنه النبي عليه الصلاة والسلام ولا يخفى أن قوله سبحانه الآتي : (أُولئِكَ) إلخ لا يلائمه إلا أن يحمل على التعظيم ، وأيضا إن السياق كما ستعلم إن شاء الله تعالى للفرق بين الفريقين المؤمنين ومن يريد الحياة الدنيا لا بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفسر أبو مسلم وغيره البينة بالدليل العقلي ، والشاهد بالقرآن وضمير (مِنْهُ) لله تعالى ، ومن ابتدائية ، أو للقرآن فقد تقدم ذكره ، ومن حينئذ إما بيانية ، وإما تبعيضية بناء على أن القرآن ليس كله شاهدا وليس من التجريد على ما توهم الطيبي ، فيكون في الآية إشارة إلى الدليلين العقلي ، والسمعي ، ومعنى كون الثاني تابعا للأول على ما قيل : إنه موافق له لا يخالفه أصلا ، ومن هنا قالوا : إن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح ، ولذا أولو الدليل السمعي إذا خالف ظاهره الدليل العقلي ، ولعل في التعبير عن الأول بالبينة التي جاء إطلاقها في كلام الشارع على شاهدين ، وعن الثاني بالشاهد الإيماء إلى أن الدليل العقلي أقوى دلالة من الدليل السمعي لأن دلالة الأول قطعية ، ودلالة الثاني ظنية غالبا للاحتمالات الشهيرة التي لا يمكن القطع معها ، وقد يقال : إن التعبير عن الثاني بالشاهد لمكان التلو.
وعن ابن عباس ، ومجاهد ، والنخعي ، والضحاك ، وعكرمة ، وأبي صالح ، وسعيد بن جبير أن البينة القرآن ، والشاهد هو جبريل عليهالسلام ـ ويتلو ـ من التلاوة لا التلو ، وضمير (مِنْهُ) لله تعالى ، وفي رواية عن مجاهد أن الشاهد ملك يحفظ القرآن وليس المراد الحفظ المتعارف لأنه ـ كما قال ابن حجر ـ خاص بجبريل عليهالسلام ، وضمير (مِنْهُ) كما في سابقه إلا أن يتلو من التلو والضمير المنصوب للبينة ، وقيل : لمن كان عليها ، وعن الفراء أن الشاهد هو الإنجيل ، (وَيَتْلُوهُ) وضمير (مِنْهُ) على طرز ما روي عن مجاهد سوى أن ضمير ـ يتلوه ـ للقرآن.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن الحنفية أن الشاهد لسانه صلىاللهعليهوسلم ، وقد ذكر أهل اللغة ذلك ، وكذا الملك من معانيه ، و ـ يتلو ـ حينئذ من التلاوة ، والإسناد مجازي ومفعوله للبينة ، وضمير (مِنْهُ) للرسول صلىاللهعليهوسلم بناء على أنه المراد